اليوم الوطني 92.. فخر الماضي وقلق المستقبل: هل تمثل هويته حقيقة الوطن؟
بمهابة الملوك وذكريات البدايات ومراقبة الأحلام التي تتحقق وسط الصحراء. حيث النفط المتدفق لخير وتنمية أرض المملكة، والتي أصبحت موحدة وبصورتها الأخيرة، يجمعها ملك واحد وشعار واحد، ترفع راية التوحيد، وتحمي المشاعر المقدسة، وذلك في العام 1932 من القرن الماضي.
وتعد أهمية هذا اليوم إلى أنه تحقق فيه توحيد كافة الأراضي السعودية تحت لواء دولة، المملكة العربية السعودية، على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود عام 1932. ويعود هذا التاريخ إلى المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبد العزيز برقم 2716، وبتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351 هـ، ويقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى (المملكة العربية السعودية)، حيث يعتبر يوماً وطنياً مهما لجميع المواطنين في المملكة العربية السعودية.
ووفقاً لتاريخ حافل بالإنجازات يحتفي المواطنون بيوم الوطن في 23 سبتمبر من كل عام، والذي يمثل لهم الوعد الناجز لإنسان الجزيرة العربية، مشكلاً مستقبلها وصانعاً لنهضتها التي بدأت من اللحظات الأولى. توج خلالها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- بتوحيد كل المناطق، إعلان بزوغ ”المملكة العربية السعودية“.
احتفالات اليوم الوطني 22
الاحتفالات هذا العام ستكون عبارة عن عروض جوية وبحرية ومسيرة وطنية تضم عربات عسكرية وفريق دراجين واستعراض الخيّالة، إضافة إلى استعراض بحري بالقطع البحرية الحديثة، واستعراض زوارق مجموعة الأمن البحرية الخاصة، واستعراض جوي بالطائرات العامودية”.
في السياق نفسه، ستشهد العاصمة الرياض ومدينة جدة حدثاً مميزاً، يتمثل في انطلاق مسيرة لموكب وخيالة الحرس الملكي بجولة بالطرق الرئيسة، لتشكل موكباً وطنياً مهيباً يشارك المواطنين فرحهم، وذلك بمشاركة الفرقة الموسيقية بالسلام الملكي السعودي والسيارات الكلاسيكية برئاسة الحرس الملكي”.
كما ستحتضن 13 منطقة من مناطق المملكة مهرجانات تحتفي بتاريخ المملكة وتراثها الوطني الأصيل، سيتم إطلاقها في الحدائق والمتنزهات العامة، وتضم عشرات الفعاليات الترفيهية والأنشطة التفاعلية والعروض التراثية والأعمال الحرفية، إضافةً إلى عروض الألعاب النارية الضخمة التي ستزيّن سماء 18 مدينة في مختلف المناطق.
وتضم المهرجانات كما قال رئيس هيئة الترفيه منصات تفاعلية للعروض مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة والصوت للاحتفاء بتراث المملكة من خلال العروض الأدائية المستوحاة من التراث الشعبي لكل منطقة.. وتحتضن مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الرياضية في المدينة المنورة “الأوبريت الوطني” الذي سيروي تاريخ البلاد عبر العصور بمؤثرات وتقنيات مبهرة من خلال لوحات فنية فلكلورية مبتكرة، إضافةً إلى إطلاق معرض تاريخي مصاحب للأوبريت يبرز تاريخ السعودية.
فنياً، ستشهد عدد من مدن المملكة مجموعة من الحفلات للاحتفاء باليوم الوطني في الرياض وأبها والقصيم وجدة والأحساء؛ يحييها نجوم الطرب السعودي والخليجي والعربي، إذ سيشدو فيها الفنانون محمد عبده وعبادي الجوهر ورابح صقر وماجد المهندس وأحلام وأنغام وأحمد سعد.
هوية اليوم الوطني في ”أزمة هوية“
وقبل أيام أعلن تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه، هوية اليوم الوطني لهذا العام 2022 وانطلاق موسم الاحتفالات، والتي ستستمر لـ 9 أيام في مختلف مناطق المملكة في الفترة من 18 إلى 26 سبتمبر/ أيلول الجاري. إعلان هيئة الترفيه، ممثلة برئيسها آل الشيخ، لهوية اليوم الوطني أثار التساؤلات عن السبب الذي يجعل مؤسسة تعنى بالترفيه في البلاد عن توليها مسؤولية الإعلان عن هوية اليوم الوطني في كل عام، وعن سبب تحييد المؤسسات التي يفترض بأنها المسؤولة عن مثل هذه المناسبات مثل وزارة الثقافة والإعلام؟ كما يتساءل مواطنون إن كان المسؤولون في المملكة يرغبون في كون هيئة الترفيه، وهي المسؤولة عن الجدل الحاصل عن عملية هدم القيم والأخلاق في المجتمع السعودي، هي الواجهة التي تحدد هوية الوطن في يومه المجيد؟
من جانب آخر، فقد جاءت الهوية لاحتفالات العيد الوطني الـ 92 مماثلة لشعار السنة الماضية ”هي لنا دار“. وغالباً كانت المظاهر الاحتفالية كل عام تتكرر مع تغييرات بسيطة في عددها لكن في الغالب تشمل الاحتفالات 10 مناطق وحوالي 331 موقعاً، وفي إطار الاحتفال باليوم الوطني يتم وضع الأعلام السعودية على جانبي الطرق في العاصمة الرياض، وأعلى الكباري، مع وضع لافتات لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده بعبارات احتفالية خاصة باليوم الوطنى السعودي.
محطات هامة من تاريخ اليوم الوطني
وكون ”اليوم الوطني“ شاهداً على الوحدة الوطنية، ظل يحمل رمزية لها مهابتها، اعتنى به الملوك السابقون. تنقل ”اليوم الوطني“ في تاريخ المملكة الحديث بمراحل عدة، بدءاً من اعتباره يوماً وطنياً في 1932 بعد إعلان قيام الدولة وتغيير اسمها إلى الاسم الحالي، وصولاً لإعلانه إجازة وطنية في بداية عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2005. تلا ذلك بدايات فكرة الاحتفالات الخاصة به، بعدما كانت تواجه معارضة المؤسسة الدينية الرسمية. وحتى العام 2017، وبعد أن كانت الاحتفالات باليوم الوطني تتم بطريقة يمكن وصفها بالعفوية أو غير المركزية، أسندت مهمة تنسيق وإعلان موسم الاحتفالات اليوم الوطني السعودي إلى هيئة الترفيه.
الملك فيصل.. اهتمام وتقدير
منذ تأسيس المملكة كانت المناسبات الوطنية التي يُحتفل بها قبل ذلك الحين، تسمى “يوم الجلوس الملكي” وهو مناسبة غير ثابتة، ففي عهد الملك عبدالعزيز كان يوم 8 يناير، ومن ثم أصبح 12 نوفمبر في عهد الملك سعود، إلى أن أتى زمن الملك فيصل، (1384- 1395/ 1964- 1975) فأصدر مرسوماً ملكياً، ليتم الاحتفال به سنويًا من قبل الدولة والشعب السعودي تخليداً لأمجاد المؤسسين وتضحياتهم من أجل توحيد المملكة ووضعها على طريق ونهج الريادة والتطور والتنمية.
ومؤخراً أعادت “دارة الملك عبدالعزيز” نشر قصاصة يعود عمرها إلى 56 عاماً، إبان صدور مرسوم ملكي يحدّد موعد اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، وهو المرسوم، الذي نشِر في صحيفة “أم القرى” قضى بأن يكون اليوم الأول من الميزان مطلع السنة الهجرية الشمسية، الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر من السنة الميلادية، هو اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.
قصر أبو حجارة في الطائف يحتضن أول احتفال
وفي العام نفسه أقام الملك فيصل، الاحتفال الأول في “قصر أبو حجارة” بمدينة الطائف، ويرجع السبب في ذلك، كونه المكان الذي قد شهد على إعلان الملك المؤسس إطلاق اسم المملكة العربية السعودية بعد التوحيد. وبالإضافة إلى ذلك، فهو من الأماكن الأثرية القديمة ذات التراث المعماري الساحر بالمملكة، فهو له مكانة مميزة في نفوس المواطنين السعوديين.
الإقرار كيوم إجازة رسمية
واستمر 23 سبتمبر يوماً وطنياً للاحتفال، دون أن يكون يوم إجازة إلى أن أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز، قراراً ملكياً آخر، يقضي باعتبار يوم إجازة رسمية للدولة، وذلك في عام 2005م، إلا أنه توفي في 1 أغسطس من العام نفسه، فنفذ القرار في عهد خلفه الملك عبد الله والذي صادف اليوم الوطني الـ 75 يصبح اليوم الوطني إجازة رسمية للدولة، ويعتبر يوم إجازة رسمي لجميع الموظفين والموظفات والطلاب والعاملين في المملكة السعودية.
أحداث أخرى تزامنت مع اليوم الوطني
وفي العقود الماضية شهدت المملكة أحداثاً ومناسبات تزامنت مع الاحتفالات باليوم الوطني. البداية مع العام 2009 حيث شهد اليوم الوطني 79 قيام الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كوست)، وذلك بحضور عدد من رؤساء دول العالم.
أما في العام 2015 فقد وافق اليوم الوطني85 يوم عرفة التاسع من ذي الحجة، لأول مرة في تاريخ المملكة. وفي العام 2014، دشنت أمانة محافظة جدة أطول سارية علم في العالم، التي توسطت السارية ميدان خادم الحرمين الشريفين وسط جدة، بارتفاع يتجاوز 171 مترًا، وبمقاس علم يبلغ 49.5 متر طولًا، و33 مترا عرضًا، بمساحة إجمالية تبلغ 1635 مترًا مربعًا.
احتفالات اليوم الوطني.. واعتراض المؤسسة الدينية
لم يشكل إعلان يوم 23 سبتمبر كيوم وطني للمملكة أي إشكال كبير للمؤسسة الدينية في بداية الأمر، لم يسجل أي اعتراض عليها، كونها لم تسجل أي مخالفات شرعية، مع أن الفتوى بتحريمها موثقة، ومن كبار علماء المملكة، وفي العام 2017، بدا الجدل في هذا الأمر.
وكانت الاحتفالات التي شهدها استاد الملك فهد الدولي في الرياض، شرارة الاعتراض من قبل المؤسسة الدينية والأغلبية المحافظة من المجتمع السعودي، حيث أطلق حينها هاشتاق #الوطنية_ليست _بالمعاصي احتجاجاً على ظهور مقاطع خادشة للحياء مصورة تظهر الاحتفالات بالعيد الوطني. حيث شهد الاحتفال هذا العام وللمرة الأولى خروجاً عن المعتاد، وتحول في أكثر فعالياته إلى غناء ورقص واختلاط، وبتنفيذ من هيئة الترفيه التي أعلن عن تشكيلها حينئذ.
بدأت هيئة الترفية بتدشين عهد جديد من الانفتاح الذي لم يعتد عليه المجتمع السعودي. هذا الأمر أدى إلى صدام مع توجهات علماء المملكة الذين سبق أن أفتوا مرارا بحرمة الاحتفال بأي أعياد غير عيدي الفطر والأضحى، فضلاً عن الاختلاط وكشف النساء وجوههن أو ما هو أكثر من ذلك.
وفي هذا السياق، قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برئاسة مفتي المملكة العام الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، ردا على سؤال حول مشروعية الاحتفال باليوم الوطني للمملكة، بأنه «بدعة محدثة ممنوعة لما فيه من التشبه بالكفار» بحسب الفتوى الموقعة باسم المفتي العام الراحل.
ما هي قصة يوم التأسيس؟ وهل يقوض ”يوم التأسيس“ رمزية اليوم الوطني؟
في العام الماضي أعلنت المملكة عن ”يوم التأسيس“، كيوم وطني آخر، في 22 فبراير من كل عام. وهو يرمز إلى اليوم الذي أسس فيه الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر الميلاد. حيث يعدّ يوم التأسيس، إحياء لقيام الدولة السعودية الأولى (1744-1818)، وهي ما تسمى بـ”إمارة الدرعية”، والتي أسسها الإمام محمد بن سعود، بعد تحالفه المشهور والمهم، مع الإمام محمد بن عبد الوهاب، وقد نجح آل سعود حينها في توحيد نجد بعد سنوات طويلة من الحروب.
اعتبر عدد من الموطنين هذا الإعلان قفزاً على المكانة التي يحتلها اليوم الوطني الذي أسسه الملك عبد العزيز في قلوب السعوديين، كما يمكن أن يعتبر تقويضاً للتاريخ المتراكم المرتبط بهذا اليوم طيلة العقود الماضية. حالياً، يبدو أن للمملكة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رأي آخر، فهو يرى أن إنشاء مفهوم ”يوم التأسيس“ يعتبر عودة إلى الماضي الأبعد من الملك عبد العزيز، حيث تأسيس الدولة السعودية الأولى في 1744. ومع أن تأسيس الدولة الأولى يعد أيضا حدثا لا يمكن تجازوه، لكن يظل صغيراً في أثره وقتها، فهو يؤرخ لوصول أو تولي الإمام محمد بن سعود زعامة قبيلة، أي لا يعبر عن مفهوم تأسيس الدولة وتوحيدها، الأمر الذي تم على يد الملك عبدالعزيز بعد عقود، وتوحيده للمملكة في شكلها الحالي.
أمر آخر، ومهم في هذا السياق، بأن ثمة تزوير للتاريخ بحثاً عن تاريخ، ومحاولة لتشكيل امتداد تاريخي مصطنع يعود إلى 3 قرون، عبر الإيحاء بأنَّ السعودية حافظت على استمرارية سياسية منذ العام 1727 حتى يومنا هذا، وكذلك محاولة للقول إنّ حكم آل سعود لهذه المنطقة مستمرّ منذ التاريخ المعتمد، وهو تزوير في هذا الإطار، حيث أن المملكة لم تتوحد بهذا الشكل إلا في العام 1932.
كيف يرى المواطن السعودي مستقبله في اليوم الوطني؟
اثنان وتسعون عاماً من التوحد والتفرد والزعامة عاشتها المملكة، مرت بمنعطفات سياسية عاصفة بالمنطقة، لكن كانت سرعان ما تنجو منها المملكة بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة لملوكها، ذوي الخبرة ممن اكتسبوا الدهاء والسياسة والكياسة. إلا أن المشهد الحالي الذي يشهد تحييد حكماء الأسرة الحاكمة وعلماء الأمة المعتبرين يشكل مشهداً غامضاً، أبرز معالم هذه الضبابية هو غياب التوزان بين السياسة والدين، الذي قامت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يدي الإمام ين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب.
وتبقى أمنيات المواطنين أن تدرك القيادة في المملكة ما هي المشاعر الحقيقية لجميع مكونات الشعب في جميع مدن المملكة. هذا الشعب الذي يرى أفعالاً بهدم وإزالة أحياء بكاملها من أجل وعود وخطط بمدن مستقبلية. كما يعيش المواطنون أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ منذ 60 سنة، تعصف بالآلاف من الأسر السعودية، بسبب البطالة وانخفاض الرواتب وأزمة الإسكان.
ويبقى السؤال، ما هي المشاعر التي يعيشها أبناء وبنات هذا الوطن في يومهم الثاني والتسعين؟ هل هي مشاعر التناقض بين ماض قريب مجيد يفتخرون به، ومستقبل أقل ما يوصف بأنه ضبابي؟