أنا الإنسان

منها سمكة صخرية.. آثار تروي تفاصيل من تاريخ الصحراء في المملكة

تزخر المملكة بالعديد من النقوش الصخرية الغريبة، التي تدل تفاصيلها بوجود حضارات إنسانية قامت على أرضها خلال زمن ما قبل التاريخ، وهي النقوش التي انضم بعضها إلى قوائم مواقع التراث العالمي بمنظمة “اليونسكو”.

وكشفت الدراسات المتوالية أن المنحوتات الصخرية التي تم اكتشافها في صحراء السعودية تعود إلى آلاف السنوات، لتبقى شاهدة على عراقة عرفتها المملكة على مر الزمان.

ومؤخراً تصدّرت صورة التقطها المصور خالد العنزي، اهتماماً واسعاً، لتلفت أنظار سكان المملكة، حيث رصد صخرة تشكلت على شكل سمكة وسط رمال الصحراء وتحولت منذ آلاف السنين إلى واحدة من أهم النقوش الأثرية القديمة والتشكيلات الصخرية الغريبة التي تزخر بها أراضي المملكة.

وعن هذه الصورة، قال خالد العنزي، إنه دائماً يخرج للاستكشاف والتصوير في صحارى العلا ويبحث دائماً عن النقوش الأثرية القديمة والتشكيلات الصخرية الغريبة باستخدام الكاميرا وطائرة الدرون، كما أشار إلى أنه “أثناء التصوير في صحراء وجبال المعتدل شاهدت هذه الصخرة التي تشكلت وتحولت منذ آلاف السنين، وانتظرت حتى تغرب الشمس لكي أحصل على فيديو صافٍ وواضح يظهر معالمها بشكل أفضل”.

وأوضح العنزي أنه أُطلق على الصورة اسم: سمكة الصحراء، مشيراً إلى أن اللقطة وجدت تفاعلاً كبيراً من رواد وسائل التواصل الاجتماعي لشدة شبه المعلم الأثري بالسمكة.

وفي العام الماضي، كشفت دراسة بحثية أن مجموعة من الأعمال المنحوتة في الصخر التي تجسد شكل إبل في صحراء السعودية قد تكون أقدم النقوش العملاقة لحيوانات على مستوى العالم، وأوضحت أن هذه الأعمال النحتية تم اكتشافها للمرة الأولى في 2018، ووقتها قدر باحثون عمرها بحوالي ألفي سنة في ذلك الوقت.

واستند تقدير عمر هذه النقوش العملاقة إلى وجه الشبه بينها وبين النقوش المكتشفة في مدينة البتراء الأردنية، لكن الدراسة الجديدة تقدر عمر هذه الآثار بحوالي 7000 إلى 8000 سنة.

وخلص العلماء إلى أن بعض هذه المنحوتات نُقش في الألفية السادسة قبل عصرنا، بواسطة أدوات حجرية وسط سافانا كانت تنتشر فيها الأشجار والبحيرات تحوّلت لاحقاً إلى صحراء.

وتعد صحراء حسمى واحدة من أجمل المناطق الأثرية الموجودة في المملكة، وتقع في الجهة الشمالية الغربية من منطقة تبوك، كما أنها تضم العديد من المنحوتات الصخرية المهمة التي استحوذت على اهتمام العلماء، الذين أرادوا كشف غموض المحطة الأبرز على طريق التجارة القديم من وإلى جزيرة العرب، والتي مرت بها القوافل والركبان على امتداد الحضارات الإنسانية المتتالية.

وبفضل ما تتمتع به من آثار مميزة، يصف المؤرخون “حسمى” بالمدونة الزاخرة بالنقوش الثمودية التي تعود لأكثر من 2600 عام، كذلك الكتابات العربية لفترة ما قبل الإسلام وبعده في زمن مبكر، مروراً بالعصور الإسلامية المتلاحقة، فلا يكاد يخلو جزء منها إلا ونقش الثموديون والعرب القدماء دلائلهم عليها.

ومن العبارات الموجودة في صخور صحراء حسمى، ما نقشه أحدهم (اللهم اغفر لمحمد بن إبراهيم بن نافع مولى أبو هريرة ذنبه العظيم). مؤرخة في سنة عشرين ومئة، ونقش آخر (أنا عمر بن سويد أوصي كل ذي علم أن ينفع بعلمه).

وفي عام 2017، أظهرت صور الأقمار الصناعية تكوينات عتيقة في الصحراء السعودية وتحديداً في منطقتَي خيبر، وعويرض، دفعت عالم الآثار الأسكتلندي ديفيد كيندي إلى السفر للمملكة من أجل استكمال أبحاثه وتحقيقاته، وحينها أوضح أن التكوينات الحجرية التي لفتت الأنظار عبارةٌ عن حقول من البازلت، تكوَّنت من مسارات الحمم البركانية الجافة، ورجَّح عالم الآثار أن تلك التكوينات قد تكوَّنت قبل 9 آلاف عام، أما الهياكل فتتنوع من حيث الأشكال والأحجام، والمثير فيها أنها تكوَّنت بشكل عشوائي.

هذا إلى جانب تكوينات تشبه الطائرات الورقية يمتد كثير منها لمسافة تتجاوز الربع ميل، معتقداً أنها كانت تُستخدم قديماً كمصائد صحراوية لاستدراج الغزلان وصيدها، كما وجد الكثير من الهياكل التي تشبه المفاتيح مرجحاً أن تكون قد استُخدمت في بعض الأغراض الرمزية أو الجنائزية.

وقبل سنوات، اكتشف عالم الآثار الفرنسي جيوم شارلو، من المركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا بالاشتراك مع زميله السعودي حسين آل خليفة، أحد المسؤولين عن التراث السعودي، منحوتات صخرية فنية ترجع إلى أكثر من ألفي عام في صحراء المملكة العربية السعودية.

ووقتها اكتشف العالمان، 12 عملاً نحتياً في الصخر في منطقة «الجوف» شمالي المملكة، وهي لحيوان الجمل، وبحسب العلماء، فإن هذا الكشف العلمي له أهمية تاريخية لما قبل الإسلام في المملكة العربية السعودية مما يشير إلى تنوع وثراء التاريخ السعودي.

ويعتقد علماء الآثار أن هذا المكان كان يعد استراحة في طريق القوافل تجاه بلاد الرافدين وذلك في القرون الأولى.

أمّا المستطيلات الموجودة في مدينة العلا، فقد حظت بشهرة عالمية واسعة، حيث تعد الأقدم في العالم كله، فيعود تاريخها إلى أكثر من 7000 سنة، وكانت تستخدم في أواخر العصر الحجري لتقديم القرابين من المواشي، كما أنها تضم ما يقارب ألف من تلك الهياكل المستطيلة.

وجرى اكتشاف المستطيلات الغامضة لأول مرة، في سبعينيات القرن الماضي، وأوضح موقع “نيو ساينتست”، أن الموقع الأثري الشاسع والموجود شمال غربي البلاد، يضم ما يقارب ألف من تلك الهياكل المستطيلة.

كما فجّرت دراسة أميركية مفاجئة من العيار الثقيل، حينما أفاد الباحثون بأن الآلاف من الهياكل الأثرية المبنية من جدران صخرية في المملكة العربية السعودية هي في الحقيقة أقدم من الأهرامات المصرية، والدوائر الحجرية القديمة في بريطانيا، وهو ما يجعلها ربما أقدم منظر طبيعي أثري تم تحديده على الإطلاق.

زر الذهاب إلى الأعلى