بعد وفاة “العفري”.. ماذا تعرف عن أغوات الحرمين..؟
رحل الأغا حبيب محمد العفري، أحد أقدم أغوات المسجد النبوي، الأربعاء الماضي، بعد معاناة مع المرض، حيث أقيمت عليه صلاة الجنازة في مسجد رسول الله، ودفنه بمقبرة البقيع.
ويعدّ الأغا حبيب العفري، أحد خدام غرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وآخر الأغوات الثلاثة، حيث لم تعد وظيفة الأغا متاحة الآن.
وقد كرَّس نفسه وحياته كلها لغرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد النبوي الشريف، منذ أن جاء إلى المدينة قادمًا من جيبوتي في عمر الـ18 عامًا.
والتحق بالأغوات وخدم ما يقارب 50 عامًا، وسكن حارة الأغوات، وكان المسؤول عن إغلاق منبر الرسول الكريم يوم الجمعة وتنظيف الحجرة النبوية.
وتسببت وفاة الأغا حبيب العفري، في حالة من الحزن بين أبناء المملكة الذين ودّعوه بكلمات رثاء مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، فيما اهتم آخرون بالتساؤل عن قصة أغوات الحرمين الشريفين وأوضاعهم في الفترة الحالية.
ويمكن تعريف الأغوات بأنهم مجموعة من الأشخاص الذين وهبوا أنفسهم لله، فهم يقومون بخدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، ويعود تاريخ وجودهم إلى عهد الصحابي معاوية بن أبي سفيان، لأنه كان أول من وضع خدّامًا للكعبة من العبيد.
أما أغوات الحرم النبوي الشريف، يعود تاريخهم إلى زمن صلاح الدين الأيوبي، أول من عيّنهم لخدمة المسجد النبوي الشريف.
وبحسب وصف الرحالة السويسري “بيركهارت” فإن زي الأغوات يكون عبارة عن “عباءة لطيفة على ثوب حرير مطرز بكثافة، ومفصل بأسلوب إسطنبولي، وله خنجر مرصع بالجواهر يربط على وسط الأغا بحزام، وتعتلي الزي طاقية عالية على رأسه”.
وفي المملكة، بدأ الاهتمام بالأغوات مع بداية العهد السعودي، وتحديدًا في عام 1346هـ، حينما صدر مرسوم ملكي من جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -طيّب الله ثراه- جاء نصّه: فبخصوص أغوات الحرم المكي فهم بأمورهم الخاصة على ما كانوا عليه، ولا يحق لأحد أن يعترض عليهم أو يتدخل في شؤونهم”.
وبعد وفاة الملك عبدالعزيز آل سعود، أيّد ابنه جلالة الملك “سعود” قرار والده بشأن الأغوات بتقرير جاء فيه “أننا نقر أغوات الحرم المكي أن يبقوا على الترتيب والعادة التي يسيرون عليها في أمورهم الخاصة، وألا يتعرض لهم في هذه الأمور أو يتدخل في هذه الشؤون أحد، وهم محطّ إكرام ملوك وأمراء الدولة السعودية والمسؤولين في رئاسة الحرمين”.
وحتى الآن يُصرف لأغوات الحرمين الشريفين مرتبات خاصة بهم، إضافة إلى أن ما يصلهم من الأوقاف يتم توزيعه بالتساوي.
كما أن لهم أوقافًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وغيرها من المدن كالعراق والمغرب واليمن.
ويقوم الأغوات بالعديد من المهمات تصل إلى 40 مهمة لا يقوم بها أحد غيرهم، بداية بغسل وتنظيف الحجرة النبوية الواقعة شرق المسجد النبوي، بماء الورد وتعطيرها بالمسك والعنبر.
كما تشمل المهمات، حفظ المسجد نهارًا والمبيت فيه وحراسته وإضاءته ليلًا، وتفريق الرجال والنساء بعضهم عن بعض، وتغيير كسوة قبر النبي سنويًا.
ويمتلكون سلّمًا وظيفيًا أقرب ما يكون إلى الرتب العسكرية، فيكون منهم: شيخ للحرم ونائب له، وشيخ للأغوات، والأمين، والمشدي، ويليهم خبزي ونصف خبزي، ثم شيخ بطال، وولد عمل، وأخيرًا المتفرقة.
وفي وقت سابق، كشف المستشار المتخصص في خدمات الحج والعمرة الباحث في تاريخ مكة المكرمة أحمد صالح حلبي، أن هناك شروطًا يجب أن تتوافر في الأغوات، أهمها أن يقبل تطبيق النظام عليه، ويقبل شروط الأغوات كاملة، وأن ينام في الحرم 7 سنوات ليل نهار.
وأن يؤدي واجبه على أكمل وجه، ويطيع أوامر رؤسائه من الصغير حتى الكبير، وتكون صحته جيدة، وألا يكون هزيلًا ولا متأخرًا في السن وعاجزًا عن العمل.
وفي السابق كان البحث عن الذين تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يتم عن طريق الأغوات الذين يسافرون من أجل هذه المهمة، فإذا وجدوا من تتوفر فيهم الشروط، يخبرون به شيخ الأغوات فيكتب بشأنه فيأمر وزير الحج والأوقاف بتعيينه، ومنحه الجنسية السعودية، ويحضر عن طريق السفارة السعودية، وبعد قدومه يجرى عليه الكشف الطبي، ويعرف بالنظام الذي يحكم الأغوات، ثم يرفع ملفه إلى وزارة الحج والأوقاف.
وحاليًا، لا يقبل استقدام أغوات جدد، بناءً على أوامر ملكية، وآخر شخص تعين بهذا المنصب كان منذ أكثر من 45 عامًا.
وتكشف مصادر تاريخية أن الأغوات في الماضي كانوا يشترون الجواري ويملّكون عليهن، وبعد إلغاء الإماء بدأوا يتزوجون ليس لأجل العلاقات المعروفة أو المتعة الزوجية، وإنما من أجل أن ترعى الزوجة شؤونه إذا مرض.
ويتزوج الأغا أحيانًا من خارج المملكة ويُحضر زوجته معه، وفي حال كان لها أولاد من زواج سابق يحضرون إلى المملكة بتأشيرة خدم، ويربيهم الأغا وكأنهم أولاده.