التطرف الهندوسي والمقترحات الاستراتيجية الغائبة
لا شك في أن حجم التطرف الهندوسي اليوم في جهاز الدولة وفي خطابها قد بلغ حالة تطرف غير مسبوقة، هدم كل أرضية للحوار وجسور التعايش مع مواطنيه، وهنا نتحدث عن حركة عقائدية راديكالية متطرفة RSS، حين وصلت ذراعها السياسية عبر حزب بهاراتيا جاناتا، لم يتهذب سلوكها السياسي، وإنما العكس؛ حيث حُولت هيئات الدولة ومرجعياتها ومؤسساتها كأدوات تنفيذية لصالح عقيدة RSS، وهذا يختلف حتى عن سيرة أحزاب اليمين الغربي حين تصل إلى مساحة الحكم.
فما يتعرض له المسلمون الهنود اليوم هو نتيجة لهذا التحول التنفيذي، غير أن السؤال الكبير الذي يُمثّل المدخل المركزي لفهم الأزمة التاريخية بين التطرف الهندوسي والمسلمين هو غياب الرؤية الاستراتيجية المقابلة لتاريخ وحركة صعود منظمة المتطوعين الوطنيين (RSS) لوقف مشروع الاستئصال الدموي السياسي للمسلمين، وهي استراتيجية متوسطة وطويلة المدى ستظهر أهميتها من خلال عناصر العرض التالية:
1- تستقي الفكرة العقائدية للمنظمة أيدولوجيتها من رواية مصنوعة مزورة عن تاريخ الهند، تعتمد في الأساس على فكرة التفوق العرقي للهندوس وزعم تخلف المسلمين، رغم الاضطراب والتناقض الشديد بين المرجعية القومية والمرجعية العقائدية، فعلى سبيل المثال كيف تُدمغ أمة قومية على أساس ديني وهي في الأصل متعددة الأعراق.
2- ولقد قدم د. محمد مكرم بلعاوي، رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط في إسطنبول، والذي عاش زمناً طويلاً في الهند وتخرج في كلياتها، رؤية مهمة عن الأزمة وأصول الأنثروبولوجيا لهذه الفكرة الأساسية للمنظمة ومراحل تطورها.
3- إن هذه الخلاصة في انعكاس عقيدة الحركة وارتباط سلوك الحزب وقراراته وسياسته بها كانت هي البرنامج التنفيذي والتثقيفي الذي يغزو بكل توحش أحياء المسلمين ومدارسهم ومؤسساتهم وأفرادهم، عبر الحصار الشعبوي للمنظمة، وعبر القوانين والسلطات الأمنية للدولة التي تخضع لحزب بهاراتيا جاناتا.
4- إننا اليوم في ذروة حصيلة المرحلة السابقة منذ تفجير المشاعر القومية ضد المسلمين عبر الاحتلال الإنجليزي، حتى تَطوّر الفكرة إلى حالة الانقلاب الواسع على الحد الأدنى من مساحة التفاهم الوطني الشامل، الذي كان رصيفاً للمهاتما غاندي وشركائه المسلمين، حتى بعد انفصال باكستان، ومن ثم فاغتيال أفكار غاندي هو عملية اجتثاث داخلية بين الجماعة الهندوسية تنفجر اليوم تجاه كل الأقليات.
5- إن المشكلة المركزية هنا هو أن الاحتشاد الإسلامي لا يزال ينحصر في الظاهرة الصوتية، سواء في الموقف من باريس والتطرف الغربي، أو في الموقف من العنصري العنيف في الهند.
6- وهنا نحن أمام مسألة مهمة للغاية؛ وهي أن الاحتجاج الصوتي وحتى المنبري بعقد مؤتمرات للتنديد ودعوات مقاطعة غير منضبطة بأدوات تنفيذ واقعية ذات رصد مؤسسي وإحصائي، هو أمر مشروع؛ لكونه صوت احتجاج وضغط إعلامي على الموقف الهندي الرسمي، رغم كارثة مواقف الدول العربية التي تحث الخُطا للتطبيع مع العنصرية الهندوسية الفاشية لـ RSS وذراعها الحاكم، لكن هذا الصوت الاحتجاجي لا يُمثل أبداً أي أرضية يمكن أن يُخلق منها مشروع إنقاذ للمسلمين الهنود.
ومع مراجعة عناصر التمكن التي وصلت إليها الحركة الفاشية في الهند فإن القوة الفكرية اليوم لا تزال في صالح المسلمين، حين يكون التحوّل وفق إرادة منهجية واستراتيجية لصناعة ثقافة وطنية شاملة للإنسان الهندي تُصحح الرواية المزيفة عن التاريخ الحضاري للمسلمين، وسموّه العقلاني والعلمي وسلوكه الأخلاقي، دون أن تزكّى حوادث الجناية أو مراحل الظلم أو سقطات السلاطين المسلمين في آسيا، إنما يبنى على الجوانب الإيجابية، والأسس التصالحية والتعايشية مع أمم الشرق.
أما الجانب الآخر فهو خلق حركة فكرية حقوقية أخلاقية تجمع بين المظلومين والفزِعين من الأقليات، ومن داخل الضمير الهندوسي المنصف، تُمثل حركة مقابلة ومواجهة بديلة، تحتاج إلى زمنٍ لكي تنبت شجرتها، وتملك من مرجعية القيم الإسلامية في المساواة الاقتصادية وحقوق المستضعفين أرضية صلبة لخطابها الحقوقي الجديد.
غير أن هذا المشروع لا يمكن أن ينطلق إلا من شباب المسلمين في الهند، وتُدعم فكرتهم من مسلمي الخارج بما يناسب حالتهم الوطنية الجامعة، وغير ذلك من معالجات صوتية فلن تحقق أي قدرة على إنقاذ حيٍ مسلم في الهند، فضلاً عن أمّة تتجاوز 300 مليون، هي بذاتها مشروع معطل، وحراكه المؤمل سينعكس لصالح مسلمي الهند ولكل قومياتها وللإنسانية الرشيدة.