التجربة السعودية
علي الحازمي
بعد أن تقرر رفع الإجراءات الاحترازية والوقائية المتعلقة بمكافحة الجائحة، وبعد أن أوشكت ثلاث سنوات على الانقضاء منذ أن تم الإعلان عن أول إصابة داخل المملكة، تلك الجائحة التي عزلت البشر براً وبحراً وجواً، ولأول مرة في تاريخ البشر يُحجر على الأصحاء، استطاعت المملكة هزيمة هذا الوباء صحياً واقتصادياً واجتماعياً، لذلك على العالم أن يكون أكثر يقظة في مواجهة الفايروسات المختلفة مستقبلياً، وعلى رأسها فايروس الالتهاب الكبدي غير المعروف والآخذ بالانتشار حالياً. ولا بد من باب الإنصاف أن نتحدث عن تجربة المملكة في مكافحة فايروس كورونا.
تعدّ المملكة واحدة من الدول القلائل التي استشرفت حجم كارثة وباء كورونا منذ البدايات على العالم، وهذا يتضح جلياً من خلال الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين منذ البدايات والتي أوضح أن العالم يعيش مرحلة صعبة في تاريخ البشرية، لكننا ندرك تماما أنها مرحلة ستمضي رغم قسوتها ومرارتها وصعوبتها وأن المملكة ستواصل اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذا الوباء والحد من آثاره.
وبالعودة قليلا للوراء نجد أن المملكة كانت من بين أوائل الدول التي طبقت تدابير احترازية مبكرة وغير مسبوقة لمنع دخول كوفيد- 19 إلى البلاد أو للتخفيف من تأثيره عند وصوله؛ تم تنفيذ هذه الإجراءات في وقت مبكر قبل الإبلاغ عن الحالة الأولى في المملكة في الثاني من مارس 2020. وتوالت الجهود الحكومية بعد ذلك من خلال تشكيل لجان وطنية لمتابعة التحديثات العالمية والتحضير لاحتمال دخول الفايروس وانتشاره منذ أوائل يناير 2020. قبل شهر من ظهور أول حالة COVID- 19 في المملكة، كان أول قرار استباقي مبكر أصدرته الحكومة السعودية ردًا على انتشار الجائحة وهو تعليق دخول جميع المعتمرين والسياح الدوليين، وأوصدت جميع منافذ الدخول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وحظرت دخول الوافدين للأفراد من البلدان المتضررة، بما في ذلك مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي. على إثر ذلك تم تحويل المدارس والجامعات إلى التعلم عن بعد من خلال الفصول الافتراضية.
الجانب الاقتصادي حظي بدعم كبير خلال جائحة كورونا وذلك من خلال إعلان الحكومة مجموعة حزم من الدعم التي تستهدف القطاع الخاص بقيمة إجمالية تقارب 240 مليار ريال. وتشمل الحزم إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية بقيمة 70 مليار ريال، وحزمة بقيمة 50 مليار ريال لدعم قطاعي البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتخصيص 50 مليار ريال لضمان سداد المستحقات الحكومية للقطاع الخاص في الوقت المناسب، ودعم الرواتب بنسبة 60% من رواتب الموظفين السعوديين في القطاع الخاص. هناك أيضًا العديد من الإجراءات المتعلقة بالضرائب، بما في ذلك تمديد المواعيد النهائية لتقديم الإقرارات الضريبية ودفع تلك الضرائب. كما أعلنت مؤسسة النقد عن ضخ 50 مليار ريال في القطاع المصرفي لتعزيز السيولة المصرفية وتمكين البنوك من مواصلة تقديم التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص.
لعب البنك المركزي السعودي دورا كبيرا من خلال الحوار المستمر مع البنوك التجارية المحلية لدعم بعض القطاعات التي تتأثر بشدة بالظروف الحالية وذلك من خلال تمديد تمويل رأس المال العامل لجميع الشركات في هذه القطاعات ومعالجة متطلبات السيولة قصيرة الأجل الخاصة بهم. أيضاً تقديم المرونة في سداد تمويل المستهلكين الأفراد الذين فقدوا وظائفهم بسبب كوفيد- 19.
* نقلاً عن صحيفة “عكاظ”.