إقرار بالفشل.. كيف تقرأ مراكز الأبحاث الأمريكية سلوك السعودية تجاه واشنطن..؟
هيمنت التحركات السعودية السياسية والاقتصادية على اهتمام مراكز أبحاث استراتيجية في واشنطن، وذلك في شهر أبريل الفائت، والتي تناولتها بشكل مستفيض، ضمن مناقشة قضايا ذات صلة بالعلاقات السعودية الأمريكية، وسياسة الرئيس جو بايدن تجاه الرياض، ومنها علاقته السيئة بولي العهد، محمد بن سلمان.
الأبحاث والمقالات التي نشرت في عدد من المراكز البحثية، المتصلة بالجهات ذات القرار الأمريكي، اعتبرت تصرفات إدارة بايدن، بأنها توحي بفشل صناع القرار، في فهم التغير الجوهري في سلوك السعودية تجاه أمريكا، وخاصة ما يتعلق بولي العهد محمد بن سلمان، وسجله الحقوقي الذي أصبح يمثل عبئاً على القادة الأمريكيين.
حيث تراقب الإدارة الأمريكية تحركات الرياض، والتي ربما تعتبرها تحرراً من قيود واشنطن، إذ أصبح بمنظورها أن السعودية لم يعد لديها أي يقين بالتزام أمريكي بأمنها، كما أن الرياض متخوفة من محتوى الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران.
وترى مراكز الأبحاث (Washington Institute, Middle East Institute, Foreign Policy, CATO Institute, Foreign Affairs, Geopolitical Intelligence Services, Atlantic Council, The Heritage Foundation, The Brookings Institut)، بأنه رغم الغزل السعودي المتزايد مع الصين وروسيا، إلا أن الرياض ما زالت تبحث عن الحظوة عند وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية الغربية.
وتوقعت في القريب تحول مبيعات النفط السعودي إلى الصين إلى اليوان، مشيرة إلى أن واشنطن ستعتبر هذه الخطوة تهديدا للدور المهم للدولار.
وقالت إن السعودية ستستضيف هذا العام قمة لقادة دول منتدى التعاون الصيني العربي، واعتبرت سعي دول الخليج للاستثمار الرياضي في أوروبا بأنه يأتي لتنويع مصادر دخلها، وكذلك لتحسين صورتها أو ما يسمى الغسيل الرياضي.
وأضافت أن “أرامكو تسعى إلى دخول السوق العالمي للغاز الطبيعي، معتمدة على إمدادات الغاز المحلية” مؤكدة أن المسار الأكثر واقعية هو الشراكات الاستراتيجية والاستحواذ على أصول وشركات قائمة.
كما تطرقت الأبحاث إلى إعلان سعودي كويتي مشترك، في وقت سابق، عزم الدولتين، تطوير حقل غاز بحري، مشيرة إلى أن ذلك أغضب إيران، مما جعل السعودية تعود في وقت لاحق إلى دعوة الإيرانيين لإجراء مفاوضات لتحديد امتداد الحقل، بحسب التناولات.
وأشارت مراكز الأبحاث الأمريكية، إلى سعي كل من السعودية والإمارات، وذلك في ٣٠ مارس إلى الحصول على معاهدة دفاع مع أمريكا مقابل انضمامهما لجهود واشنطن في معاقبة روسيا، وذلك بعد تشككها في فعالية الضمانات الأمنية الأمريكية.
وقالت إن الحوثيين يفسرون محاولات بايدن في حل مشكلة اليمن دبلوماسيا بأنه ضعف، فقد زادوا من هجماتهم على السعودية والإمارات، مصممين على تحقيق نصر عسكري.
جاء ذلك في مقالين تحدثا عن الهدنة في اليمن وما يجب على بايدن إزاءها، فبينما يركز الأول على دعم السعودية والضغط على الحوثيين، يشير الثاني على بايدن أن يستمر على موقفه من محمد بن سلمان، والتركيز على تحقيق خطوات صغيرة جزئية أولا.
وحذر المقالان من أن يؤدي تقديم المساعدات الإنسانية لليمن إلى تقوية الحوثيين، بل يجب إعادة تصنيفهم كإرهابيين ولكن بطريقة لا تعرقل وصول المساعدات.
وإزاء ذلك يجب على واشنطن أن تكون أكثر صرامة مع “الحوثيين”، وأن تزيد من دعمها للسعوديين عسكريا واستخباراتيا، وأن تنتهج طريقا أكثر اتزانا.
أما الاتفاق السعودي الحوثي الذي تم في رمضان الفائت، والذي قضى بوقف إطلاق النار لمدة شهرين برعاية الأمم المتحدة، ورُفع الحظر السعودي على واردات النفط ومطار صنعاء، بأنه لا ضمانة لاستمراره، أو أن يتحول إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، مؤكدة على واشنطن استغلال الفرصة للدفع إلى ذلك، وإحياء محادثات السلام.
وفي مقالات ثلاثة عن العلاقة الأمريكية السعودية وتغير سلوك السعودية تجاه أمريكا، اقترح الأول إلى أن ينتهج بايدن طرقا جديدة لتحسين العلاقة مثل النفوذ الثقافي عبر المبتعثين واستغلال الولع السعودي بنيل احترام الإعلام الغربي، بينما يرى الآخر إيجاد استراتيجية تعاون عسكري جديدة، إلا أن الثالث لم يكتف سوى بالتوصيف لواقع الأزمة.
بينما ذهبت أخرى إلى الحديث عن الأمن السعودي، بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تقدم على خطوات عسكرية كبيرة ضد إيران، مشيرة إلى أن السعودية لم يعد لديها أي يقين بالتزام أمريكا بأمنها، وهي متخوفة من محتوى الاتفاق النووي.
رغم ذلك تؤكد بأن أمريكا ما زالت هي المصدر الأول للتسليح السعودي بـ٨٠٪ مقابل ١٪ من الصين و٠.١٪ من روسيا في المدة ٢٠١٦-٢٠٢١.
ولفتت إلى أن البعثات الحكومية تعد مصدر تأثير ونفوذ كبير لأمريكا على السعودية، ففي عام ٢٠١٩ ذهب ٥٥٪ من الطلبة لجامعات أمريكية مقابل ٠.٤٪ إلى جامعات صينية.
وترى بأنه على رغم الغزل المتزايد بالصين وروسيا، ما زالت الرياض تبحث عن الحظوة والمكانة عند وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية الغربية، كما أن الاستراتيجية الدفاعية المقترحة تشمل التزويد بمسيرات استخبارية متطورة، وبناء قدرات عسكرية مؤسسية بدلا من التزويد بالأسلحة.
التخوفات الأمريكية من التوجه السعودي للصين، كان لها نصيب من التناولات، إذ يتحدث مقال عن الشراكات الاقتصادية للصين في الشرق الأوسط، ويذكر المصالح المتبادلة للطرفين، والخطوات المستقبلية لزيادتها، بينما أشار مقال آخر إلى تعاون السعودية مع الصين في ملاحقة الأيغور.
وقال مقال آخر إن الصين شريك اقتصادي رئيسي للسعودية، وأكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط في العقد الماضي، كما أن بيجين، تحتاج النفط الخليجي لصناعاتها، بينما الخليج يحتاج إيرادات النفط لتمويل مشاريع تنويع الاقتصاد.
وأضاف “لا تهتم الصين بحقوق الإنسان، وتبادلها دول الخليج نفس الأمر، بل إن السعودية قد تسلمها ٤ من الأيغور الذي أتوا للعمرة”.
وبدأت الصين في العام 2004، إنشاء منطقة تجارة حرة مع الخليج مشيرة إلى أنها تقدمت خطوات وإن كانت لم تنفذ بعد، كما أنها سعت لإنشاء منتدى تعاون صيني عربي وقد حقق نجاحا ملموسا، ومن ذلك أن السعودية ستستضيف هذا العام قمة لقادة دول المنتدى.
وبلغ التبادل التجاري الصيني مع السعودية والإمارات ٢٠٠ مليار دولار، وفي ٢٠١٢ كما وقعت الصين اتفاقية تعاون نووي ”لأغراض سلمية“ مع السعودية، وباتت تساعد السعودية في تطوير صواريخ باليستية.
إلا أنها ترى بأن الصين تنأى بنفسها عن الصراعات في المنطقة، مؤكدة بأنه يرجح أن تبقى المنطقة بعيدة عن المواجهة العسكرية الصينية الأمريكية.
في سياق متصل، تتحدث مقالات عن استثمارات دول الخليج في الكرة الأوروبية ودوافعها، وعن رغبة السعودية في الدخول بقوة في هذا المجال وأسبابه وتداعياته.
وقالت إنه في أكتوبر ٢٠٢١ اشترى تحالف بقيادة صندوق الاستثمارات السعودي نادي نيوكاسل يونايتد بعد ١٨ شهرًا من تعثر المفاوضات، وذلك بعد تأكيدات ملزمة قانونيا بأن السعودية لن تسيطر على النادي، وقد لقيت الصفقة عدة انتقادات من الوسط الرياضي.
وأضافت “سعي دول الخليج للاستثمار الرياضي في أوروبا يأتي لتنويع مصادر دخلها، وكذلك لتحسين صورتها أو ما يسمى الغسيل الرياضي” وأرجعت سعي السعودية للتوسع في المجال الرياضي، إلى منافسة نجاحات قطر والإمارات في سوق الكرة الأوروبية، وقد حاولت مؤخرا شراء نادي تشيلسي.
أما المقال الذي تحدث عن سعي أرامكو لدخول السوق العالمي للغاز الطبيعي، تطرق إلى فرصها في ذلك، كما يبين التحديات وقدم اقتراحات لإنجاح هذا الهدف.
وقال إن أرامكو تستهدف فرصا جديدة في مجال تقنيات الهيدروجين والكربون، معتمدة على التوقعات الجديدة للإنتاج المحلي مع اكتشاف بعض الحقول.
وتتمثل التحديات في الاستثمارات في دورة السلع الأساسية وإمدادات الغاز المحلية على المدى الطويل.
وأكد أن المسار الأكثر واقعية لأرامكو هو الاستحواذ على الأصول والشركات القائمة وتطوير شراكات استراتيجية في هذا المجال، وقد يدخل صندوق الاستثمارات أيضا من هذا الباب.
مشيراً بأنه لتوسيع حضورها في السوق العالمي قد يكون على أرامكو أولا بناء وجود لها في المنطقة بالربط بشبكة الغاز العماني والإماراتي، ويساعدها هذا الربط كذلك في تجاوز مشاكل مضيق هرمز.