يعتزم الرئيس جو بايدن زيارة المملكة العربية السعودية تزامناً مع تحولات جيوسياسية وأزمة طاقة عالمية على خلفية العدوان الروسي على أوكرانيا، فهل ينجح في إعادة الدفء للعلاقة مع المملكة وجعلها سندا للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم؟.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الأمريكي جو بايدن في 15 يوليو/ تموز الجاري السعودية، حيث سيلتقي بالعاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد.
كما سيحضر في اليوم التالي قمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في جدة، والتي ستشهد أيضا حضور قادة مصر والأردن والعراق. وتأتي هذه الزيارة في سياق تحولات إقليمية ودولية مفصلية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بكل تداعياته الاقتصادية والطاقية والجيوسياسية، ولكن أيضا في سياق تصعيد مستمر بين إسرائيل وعدوها اللدود في المنطقة: إيران.
وبهذا الصدد سبق للإدارة الأمريكية أن أشارت لاحتمال اتخاذ دول عربية أخرى خطوات نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل خلال زيارة بايدن إلى السعودية والدولة العبرية.
الأنظار تتجه بشكل خاص إلى الرياض بعدما وعد بايدن بأن يجعل من المملكة دولة “منبوذة” قبيل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة في خضم الصدمة العالمية التي تلت مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، غير أن السعودية باتت في قلب اهتمام الدبلوماسية الأمريكية، ليست فقط بسبب الطاقة ودورها في منظمة أوبك، ولكن أيضا بسبب وزنها الجيو ـ استراتيجي في العالمين العربي والإسلامي.
ومن الموضوعات التي ستتصدر اهتمامات أجندة بايدن في الخليج، هناك أسعار الطاقة وبالتالي محاولة إقناع دول الخليج بزيادة إنتاجها من النفط للجم لهيب الأسعار في العالم، خصوصا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وليس واضحا بعد، ما إذا كان سينجح في ذلك، خصوصا وأن تكتل دول “أوبك بلوس” اتفق مؤخرا على زيادة في الإنتاج خلال الشهرين المقبلين، لكنها زيادة لن تتمكن من الضغط على الأسعار نحو الأسفل، ما يثقل كاهل اقتصادات معظم الدول الغربية كألمانيا.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” الألمانية (28 يونيو/ حزيران) “لا يزال الاعتماد على الغاز الروسي مرتفعًا جدًا، لذا قد تواجه ألمانيا ظروفًا صعبة في الشتاء المقبل، يجب على الحكومة استعمال جميع الأدوات الممكنة في الأشهر القليلة المقبلة لتوفير الغاز أو استبداله أو الحصول عليه من مكان آخر. يجب على الأقل التقليل من الضرر المحتمل”.
تبلور حلف عربي ـ إسرائيلي
يبدو أن آفاق تشكل حلف عربي- إسرائيلي في مواجهة التهديد الإيراني باتت قريبة المنال، مشروع قد يخرج للوجود في الأسابيع القليلة المقبلة، في خطوة من شأنها إعادة ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط. والمقصود بالتهديد الإيراني، ليس فقط البرنامج النووي، ولكن أيضا برنامج طهران الصاروخي ودعمها للميليشيات المتطرفة في المنطقة. وسبق لإسرائيل أن قالت إنها بصدد بناء تحالف إقليمي للدفاع الجوي برعاية أمريكية. وتأمل واشنطن في أن يؤدي هذا التحالف إلى دمج إسرائيل أكثر في المنطقة، على أمل توقيع مزيد من اتفاقيات التطبيع في إطار اتفاقيات إبراهيم.
وتعتبر إسرائيل إيران عدوها الاستراتيجي الأول في المنطقة حيث يتهم البلدان بعضهما البعض بشن هجمات في السر والعلن والوقوف وراء مؤامرات لا تنتهي، كان آخر فصولها القبض على كوماندوز إيراني مزعوم في إسطنبول. كما تتهم الجمهورية الإسلامية إسرائيل بالوقوف وراء سلسلة هجمات تستهدف برنامجها النووي. وبهذا الصدد صرح خبير الشؤون الإيرانية صادق زيباكلام لموقع DW في نسخته الألمانية (22 يونيو) أن “الناس في إيران باتوا قلقين وخائفين من حرب محتملة (..).
وأن إسرائيل ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا خطيرًا لوجودها. يبدو أن العودة إلى الاتفاقية النووية لعام 2015 باتت أمرا غير مرجح. لقد خفضت إيران من قدرات مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (..). في ظل هذه الظروف، لن أتفاجأ إذا انضمت دول أخرى في المنطقة إلى إسرائيل وأقامت تحالفًا ضد إيران، فجميعهم يخافون من النفوذ العسكري الإيراني، وشعب إيران على علم بذلك وهم خائفون”.
“منتدى النقب” يتحول لمنتدى إقليمي دوري
عقدت اللجنة التوجيهية لـ”منتدى النقب” اجتماعها الأول في العاصمة البحرينية المنامة (27 يونيو)، والذي يضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة، لجنة تشكلت عقب اجتماع قمة النقب، التي استضافتها إسرائيل في وقت سابق هذا العام في زخم اتفاقات أبراهام بين دول عربية والدولة العبرية.
وقال بيان للجنة إن الاجتماع أظهر “الفرص المهمة التي أتاحها تحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها”، وقد وقعت الإمارات والبحرين والمغرب اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 2020، في حين كانت مصر أول دولة عربية تطبع العلاقات مع تل أبيب في عام 1979.
وتمثل المصالح الاقتصادية المحرك الرئيسي في هذا التقارب الإسرائيلي العربي، ومع ذلك تشعر هذه الدول بالقلق أيضا من التهديدات الأمنية التي تشكلها إيران.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “تاغسشبيغل” البرلينية (27 يونيو) باتت هناك “عاصفة تلوح في الأفق في الشرق الأوسط، بمقدورها إحداث فوضى عارمة في المنطقة، فمع هجوم روسيا على أوكرانيا، تلاشت معظم الضمانات القانونية الجيوسياسية والدولية. إظهار القوة واعتماد القوة العسكرية بدلاً من التفاوض. هكذا تبدو لغة ومبادئ عمل اليوم. لغة الدبلوماسية كانت بالأمس. هناك تحالفات تتشكل لمنع العدو من اكتساب القوة”.
فكرة “ناتو” شرق ـ أوسطي في مواجهة إيران
بات تحالف دفاعي عسكري جديد على شكل “ناتو شرق أوسطي” على وشك التشكل، وفق تقارير إعلامية غربية، التكتل قد يأخذ شكل تحالف عسكري جوي ضد إيران.
والشركاء المحتملين هم السعودية والإمارات العربية والبحرين وقطر والكويت وعمان والأردن ومصر وقد تكون إسرائيل جزء من هذا التحالف، ومن المتوقع أن تلعب الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في هذا المشروع. وبهذا الشأن ذكرت مجلة “بريكينغ ديفينس” الأمريكية المتخصصة في قضايا التكنولوجيا والاستراتيجية أن قياديين بارزين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري يؤيدون فكرة هذا التحالف. ويبدو أن نوعًا من التنسيق العسكري قد بدأ فعلا في الكواليس. فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن اجتماع سري لمسؤولين كبار من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية في شرم الشيخ شهر مارس/ آذار الماضي، ناقشوا خلاله الإجراءات الدفاعية المشتركة الممكنة ضد إيران.
موقع “دويتشه فيله” في نسخته الألمانية (30 يونيو)، أثار الانتباه للحدود والمشاكل التي قد يثيرها هذا المشروع وكتب بهذا الصدد “ليس من الواضح بعد إلى أي مدى تقدمت المحادثات الخاصة بالتحالف ومدى رغبة الشركاء المحتملين في توحيد قواهم في المستقبل. غير أن عدة جوانب في المشروع تبدو واقعية تمامًا، وفق سينزيا بيانكو، خبيرة شؤون دول الخليج العربي في معهد أبحاث “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” التي أكدت أن خطط إنشاء التحالف ركزت في البداية على موضوعات محددة نسبيًا تتعلق بالتعاون الفني في قضايا الدفاع الجوي”، من بينها الرصد بأجهزة الرادار وتطوير نظام اتصالات للإنذار المبكر.
واشطن والدور السعودي في إخماد لهيب أسعار النفط
رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدنأكد (30 يونيو) أنه لن يعمل خلال زيارته للرياض، على الضغط مباشرة على السلطات السعودية لزيادة إنتاج النفط للحد من الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة. بايدن أوضح على هامش مشاركته في قمة حلق الناتو بإسبانيا أن المواطنين الأمريكيين سيضطرون لتحمل ارتفاع أسعار الغاز للتغلب كجزء من تبعات العدوان الروسي على أوكرانيا. زيارة بايدن ستكون بالغة الحساسية، كما ظهر ذلك في رده على سؤال عما إذا كان سيطلب من القادة السعوديين زيادة إنتاج النفط، حيث أجاب بشكل قاطع: لا. واستطرد موضحا أن جدول الأعمال يتجاوز بكثير سياسة الطاقة مشددا على برنامجه يتضمن اجتماعات مع عدد من دول الخليج.
ويذكر أن أسعار النفط العالمية كما مستوى الإنتاج لم تعد تتحكم فيهما منظمة أوبك لوحدها. وبهذا الصدد عقد ممثلو الدول الأعضاء في المنظمة (13 دولة)، إضافة إلى مجموعة من دول أخرى منتجة للنفط غير أعضاء، بقيادة روسيافي صيغة ما يسمى “أوبك بلوس”، اجتماعا (30 يونيو) اتفقوا فيه على زيادة الإنتاج بمقدار 648 ألف برميل يوميا خلال شهري يوليو وأغسطس.
وستضطلع السعودية والإمارات بحصة الأسد في هذه الزيادة. غير أن كلام بايدن يمكن فهمه بشكل آخر، خصوصا بعدما أكد أنه سيطالب حلفاء بلاده في الخليج بزيادة إنتاج النفط. وهذا يعني بشكل غير مباشر مطالبة السعودية بذلك وهي أكبر دولة منتجة في المنطقة. وبهذا الصدد كتب موقع “تسايت أونلاين” (19 يونيو) “في وقت زادت فيه انتقادات جو بايدن لمنتجي النفط المحليين الأمريكيين، تراجعت حدة نبرته تجاه المملكة. فخلال حملته الانتخابية التي قادته للبيت الأبيض، وعد بمعاملة الملكية المطلقة (السعودية) كدولة منبوذة لا تمتثل للقانون الدولي”، غير أن الكثير من المياه جرت في النهر منذ ذلك الحين، وباتت استعادة الرياض لعلاقتها مع حليفها التقليدي ضرورية لواشنطن في استراتيجيتها في مواجهة موسكو.
اتفاق أبراهام.. أحدث حلقة في مسار حروب وسلام متعثر
في الـ 14 من أيار/ مايو 1948 أعلن رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل. وكانت أمريكا أول الداعمين لتلك الدولة والمعترفين بها ورُفع علم الدولة الجديدة أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك. قيام إسرائيل فتح الباب على مصراعيه لـ”صراع الشرق الأوسط”.
الرياض بين مطرقة بايدن وسندان بوتين
تواجه السعودية معادلة صعبة بين ما ينتظره منها الأمريكيون والتزاماتها تجاه الروس ضمن تكتل “أوبك بلوس” النفطي، غير أن الرياض تعرف تماما أن هناك ثمن قد تضطر لدفعه، إذا كانت فعلا تسعى لتحسين علاقاتها مع واشنطن، علاقات تعيش أزمة غير مسبوقة منذ مجيء بايدن إلى البيت البيض في سياق صدمة عالمية بشأن قضية خاشقجي.
كما أن واشنطن تدفع اتجاه تفكيك تحالف أوبك مع موسكو، وهو ما يعني عمليا التخلي عن استراتيجية سعودية عميقة اعتمدت بناء علاقة ثقة مع روسيا لضبط أسعار سوق النفط. ويذكر أن شركة “أرامكو” النفطية السعودية أعلنت أنها حققت زيادة بنسبة 82 بالمئة في أرباحها في الربع الأول من 2022، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بفضل ارتفاع أسعار النفط الذي جعلها أغلى شركة في العالم من حيث القيمة السوقية.
ويشكّل الإعلان استمرارا للأخبار السارة للاقتصاد السعودي الذي يحقق أسرع معدل نمو منذ عقد بفضل عائدات قطاع النفط الحالية. ويعود هذا الإنجاز، من بين أسباب أخرى، لقدرة الرياض باتفاق مع موسكو على ضبط أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولعقود من الزمان، كانت دول الخليج العربي حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا جعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يعتبر السعودية على وجه التحديد حليفا دو مرتبة خاصة، بمجرد توليه لمهامه في البيت الأبيض. وهكذا خصص زيارته الأولى للخارج للسعودية، تُوجت بصفقات سلاح بالمليارات.
وجاءت جائحة كورونا فدفعت بأسعار النفط إلى الحضيض ما دفع بمنظمة أوبك تحت قيادة السعودية لتكثيف تعاونها مع موسكو لضبط السوق. إن سيناريو تخلي محمد بن سلمان عن صديقه فلاديمير بوتين قد يعني وقف سنوات من جهود التقارب بين الجانبين وبالتالي نهاية التعاون بين أوبك وروسيا.