معرض الرياض للكتاب 2022.. هل يبتلع الترفيه محافل المعرفة في المملكة؟
تعيش “الرياض” حدثاً استثنائياً، لعشرة أيام كاملة، وذلك بتنظيمها معرض الرياض للكتاب 2022. وقد افتتح المعرض أبوابه أمام الباحثين عن ”الترفيه“ وعن المعرفة على حد سواء، في 29 سبتمبر الماضي ليستمر إلى الثامن من هذا الشهر، تحت شعار «فصول الثقافة» كما يقدم المعرض برنامجاً ثقافياً مصاحباً.
معرض الرياض للكتاب 2022 تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة ويتضمن برنامجا ثقافيا شاملا، وسط مشاركة 1200 دار نشر ودور بالوكالة تمثل 32 دولة، والتي أوضحت أن ما يميز المعرض هذا العام، أنه استقطب أكثر من 68 دور نشر غير عربية، تشارك لأول مرة في معرض الرياض الدولي للكتاب، وبلغات متعددة، كون مدينة الرياض تضم الكثير من قراء غير العربية.
مع ذلك باشرت الهيئة إلى الإعلان الدائم عن الفعاليات المصاحبة والتي تعدّ الأكبر، منها 71 ندوة ثقافية، و55 فعالية للأطفال، و22 ورشة عمل منوعة، و20 عرضًا لطهي أطباق محلية وعالمية، و10 جلسات حوارية مع مؤلفين، و9 حفلات موسيقية، و7 أمسيات شعرية، و6 عروض مسرحية.
علماً أن المعرض يقام على مساحة 70 ألف متر مربع، ليكون أكبر معارض الكتاب في تاريخ السعودية. المعرض سجل هذا العام رقمين قياسيين في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، تمثّلا في أكبر كلمة مكونة مما يزيد عن 7000 كتاب شكّلت في مجموعها كلمة “ترجم”، إضافة إلى أكبر كتاب منبثق في العالم.
شيء من تاريخ معرض الرياض الدولي للكتاب
بدأت الرياض في تنظيم المعارض الخاصة بالكتاب، في العام، 1397هـ، تحت تنظيم جامعة الملك سعود، ثم توالت إقامة المعارض كل عام حتى اكتسبت شهرة واسعة في المحافل الدولية، نظرًا لما تقدمه من دقة في التنظيم وتوفير كافة المستلزمات لمثل هذه المعارض.
وإلى ما قبل الموسم 2017، كان المعرض، يعدّ أحد أكبر المهرجانات الثقافية في المملكة، ويحظى باهتمام عالمي ومحلي للاطلاع على أحدث المنتجات الإثرائية في الجانب الثقافي، وما أنتجته دور النشر العالمية، إلا أن إدخال وسائل الترفيه في الأعوام الماضية بشكل مكثف طغى على حساب الجوانب الثقافية والعلمية.
كان المعرض يقام في السابق في شهر مارس من كل عام، ولمدة عشرة أيام في مركز المعارض في الرياض، تحت إشراف وتنظيم وزارة الإعلام، وبعد انفصال الثقافة عن الإعلام في وزارة مستقلة، آلت إدارة تنظيم المعرض إلى وزارة الثقافة والتي أعلنت مؤخرًا عن إقامته في الأول من أكتوبر 2021 حتى العاشر من الشهر نفسه.
معرض للكتاب أم موسم للترفيه؟
ووفقاً لمراقبين لتحولات الثقافة في المملكة، فإن إدخال وسائل الترفيه بشكل مكثف في الجدول المصاحب للمعرض هذا العام يهدد من مكانة المعرفة والثقافة في ذهن المواطن. حيث يلحظ الزائر كثرة فعاليات البرامج الموسيقية، إضافة إلى برامج الطبخ والمأكولات التي لا علاقة لها بالثقافة أو بالكتاب. ويعد مواطنون أن خلط برامج الترفيه في محافل المعرفة هو نوع من الاستهانة بالثقافات وبالمعرفة الحقيقية التي كانت المملكة رائدة فيها، كما يعد مؤشراً على نوعية الثقافة والمعرفة التي يراد غرسهما في المجتمع.
وما يلفت النظر أكثر في معرض هذا العام، أنه قد تحوّل إلى مهرجان ترفيه، أكثر منه تظاهرة ثقافية. كان الأجدر به يتحول إلى مزار للمدارس والجامعات، إلا أن زيارته تتم على مضض يقول ذلك حساب المعرض في “تويتر” الذي يبدو خالياً من أي تفاعل على قدر الحدث من قبل المواطنين.
تونس.. ضيف الشرف لمعرض الكتاب ومآرب أخرى
قد لا يكون سراً عن المراقب أن اختيار ضيف الشرف لمعارض الكتاب لا يخلو من أهداف سياسية. فقد تم اختيار دولة العراق العام الماضي كضيف شرف، في وقت شهد تقارباً سعودياً عراقياً حين رغبت المملكة بتوسط الحكومة العراقية لدى جماعة الحوثي وإيران لتخفيف التوتر الحاصل في اليمن.
حضرت هذه المرة، جمهورية تونس كضيف شرف للمعرض، في الوقت الذي تشهد فيه البلد العربي الأفريقي أزمة سياسية حادة، الأمر الذي قد يشير إلى دعم المملكة للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي قاد انقلاباً ناعماً على ما تبقى من آثار الربيع العربي.
وكان رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة الدكتور محمد حسن علوان، قد أوضح في تصريحات إعلامية عن سبب اختيار دولة “تونس” كضيف شرف لهاذ العام، لكونها تمتلك ثقافة عريقة وحضارة كبيرة وهي إضافة لأي معرض كتاب. لافتاً أنها دولة تمتلك الكثير من الكتاب والأدباء والمثقفين وأنها خطوة سابقة لتوثيق العلاقة الثقافية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية تونس الشقيقة.
والملاحظ في حضور تونس من خلال الفعاليات كان أكثر في مجالات معينة وهي القريبة من الغناء والموسيقى، دون سائر مجالات الأدب والثقافة الأخرى. وبحسب مراقبين، فإنه لم تتم دعوة شخصيات ثقافية وفكرية من كافة أطياف المجتمع التونسي، والتي كان يمكن من خلالها تسليط الضوء عن التجربة التونسية الثرية قبل وبعد الثورة.
معرض الكتاب كأبرز ساحات السجال الثقافي في المملكة
وكان معرض الرياض أحد أبرز ساحات المعارك الأدبية والنقدية في التاريخ الثقافي للمملكة حيث شهد حوارات ومناقشات وحتى صراعات بين تيارات البلد المتنوعة. وفي حين أن ذلك كان مؤشرا على حيوية المجتمع، تبدو الصورة اليوم أقل حيوية في معرض الرياض هذا العام، إذ بقي الملعب للاعب واحد أو فريق بعينه إن صح التعبير، بينما صدت الأبواب أمام شريحة واسعة من المفكرين العرب والإسلاميين على وجه الخصوص لأسباب مختلفة.
وبينما اكتفى الإسلاميون في المملكة بالترويج والتسويق لإصداراتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً تويتر، يتم التسويق والاحتفاء بشكل بارز للجانب الأدبي القصة والرواية والشعر على وجه الخصوص.
كما أنه لا يمكن إغفال أن المعرض في الفترات السابقة، كان ساحة معارك جدلية، لا تتوقف حتى بعد إغلاق أبواب المعرض لتصل إلى صفحات الصحف والمجلات، وذلك بين الإسلاميين من جهة، والليبراليين من جهة أخرى، كما أنه لا يخفى أن شبح الرقابة على الكتب كان هو المهيمن على كل معارض الكتاب في المملكة، فهل اختلف الأمر هذا العام؟
تغيرت “الكتب” ولم تتغير ثقافة الرقابة
كانت الرقابة أحد أكثر الموضوعات الجدلية في كل معرض للكتاب في المملكة. وحين كانت الرقابة على الكتب تتم عادة من قبل وزارة الإعلام والإسلاميين على حد سواء على أصناف محددة من الكتب، لكن ما يحدث اليوم هو العكس تماماً، إذ صارت الكتب الإسلامية تحت مقص الرقيب بشكل مفرط وملحوظ.
وفي الوقت الذي كان المواطن يأمل بنوع الرقابة الواعية المتزنة، التي تحافظ على الهوية الثقافية للبلاد، وتحمي في الوقت ذاته القيم والأخلاق، تحولت الرقابة المفرطة من طرف إلى آخر والضحية هي المعرفة والثقافة.
محطات في تاريخ معارض الكتاب في المملكة
شهد معرض 2008 جدلاً ونقاشات ساخنة وملاحظات كان أبرزها: الرقابة داخل أروقته، وقيام جهات مجهولة ليست مختصة بالمصادرة بمنع عرض بعض الكتب التي ظهرت على أرفف دور النشر المشاركة، والاختلاط بين الزوار والزائرات.
كما شهد نفس الموسم جدالاً فكرياً بين إسلاميين وليبراليين بشأن السماح بعرض بعض الكتب الممنوعة. وتفجرت قضية أخرى تخص دخول العائلات مع الرجال والاختلاط الذى أثار جدلاً فى الأوساط الدينية في المملكة، وهو الأمر الذى دفع إدارة المعرض إلى نفي الاختلاط، مشيرة إلى أن هناك فترات خصصت للعائلات، وأخرى للنساء.
وأصدرت حينها مجموعة من العلماء السعوديين بيانا أكدت فيه حدوث الاختلاط في أروقة المعرض وأثناء الندوات، ووجهت انتقادات شديدة في هذا السياق.
ومرّ معرض الرياض بجولات من المنع للكتب، لعلّ أشهرها في العام 2011 تزامناً مع ما يسمى بالربيع العربي. وشهد المعرض رقابة على العناوين ذات البعد السياسي. أو تلك التي تناولت الثورات حيث لم يسمح لها بالتواجد وكان ذلك بخلاف العام الذي سبقه، حيث كانت العناوين السياسية حاضرة بقوة.
أما العام 2014، فكان الأكبر من ناحية المصادرة والمنع للكتب، إذ صودر في تلك السنة أكثر من عشرة آلاف نسخة من 420 كتابًا، على يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذين اتهموا أيضاً بأنهم “يدخلون الفاعليات الثقافية ويحاولون وقفها وكذلك منع مشاركة النساء”.
ما زالت الكثير من الكتابات يحتفظ بأنه في معرض الرياض لعام 2018، طال المنع فيه لكتب الشاعر الفلسطيني، محمود درويش، والشاعر السوري نزار قباني، وذلك بعد تدخل الرقابة، والتي منعت وسحبت الكثير من الكتب المميزة دون الإدلاء بأسباب مقنعة.
وشهد المعرض ذاته منعاً لكتب مؤلفين سعوديين، منهم الكاتب محمد علي المحمود الذي سحب مؤلفين له هما “السلفية والتنوير”، “نحن والإرهاب” رغم أنه شارك بالكتابين في سنوات ماضية، كما أن الرقابة سحبت كتاب “تجديد الإسلام” للكاتب عبدالله العلويط، ومن بين تلك الكتب “الرقص مع الحياة” للكاتب مهدي الموسوي إذ يعد الكتاب من أفضل الكتب مبيعاً في مكتبة جرير.