معاً.. لكن فرادى
سليمان الناصر
عنوان قصير لكن غزير الدلالة كثيف المعنى، وضعه زيجمونت باومان عنوانًا لأحد فصول كتابه(الأزمنة السائلة) ويقصد به تحولات ( المدينة الحداثية)، ورغم أن موضوعه ذاك ذو شجون، إلا أن هذا العنوان اللافت مناسب لـ”تحولات الأسرة” في هذه الأزمنة.
إذ أن تطورات الاتصال وما تبعها من تغيرات جذرية في تصورات الأفراد وفي العلاقات تركت أثرها العميق في عزلة الأفراد وهم بين أهليهم وأسرتهم، وساهم في هذه الأثار عدة تحولات مثل توجه بعض الأسر الى إنفراد الأولاد كل واحد منهم بغرفة خاصة، خلافًا للأزمنة التي كانت تقوم على تشارك الأبناء للغرف.
وهذه العادة القديمة لها أثرها ليس فقط في توسيع العلاقات والمشتركات وتقليص الخصوصيات بين الإخوة، بل وحتى في التشارك في الخصوصيات، فكان العنوان القديم بين أفراد الأسرة يكاد أن يكون(معًا .. معًا في كل شيء)، مع التحولات في أنماط العيش، وزيادة معدلات الرفاه تغيرت هذه الأمور.
حسنًا هذه الأمور يمكن فهمها، ويمكن محاولة التقليل من عوائدها السلبية، لكن الظاهرة الجديدة الآخذة في التفشي هي تناول أفراد الأسرة لطعامهم منفردين، وعادة ما يزداد هذا التفرد بحيث يتناول كل فردٍ بعض وجْباتهم- أو أغلبها- في غرفته بعيدًا عن أفراد الأسرة الآخرين.
وربما طلب كل فرد من مطعمٍ غير ما يطلبه الآخرون، لا ينبغي النظر إلى هذا الموضوع باعتباره حرية شخصية، فهذا مفهوم على المدى القصير، لكن ضرره على المدى البعيد بالغ الضرر، ينبغي أن تكون أوقات وجبات العائلة المشتركة شديدة الإحترام والالتزام، فمن خلالها يتجذّر التواصل وتتعمق القدرة.
على النقاش وتبادل الأحاديث، كثيرون فقدوا القدرة على تبادل الأحاديث العائلية، بسبب طول الانفراد في غالب أوقات تواجدهم في البيت، أوقات الطعام والقهوة فرصة كبيرة لتبادل الحديث وتقريب المشاعر والأمزجة بل وحتى التصورات والأفكار، يجب أن نتحقق أننا حقًا ( معًا) وليس ( معًا.. لكن فرادى).
ـمن حساب الكاتب في تويتر