لم تعد بيانات وكالة الطاقة الدولية مرجعاً تعتمد عليه أوبك+ عند اتخاذ قراراتها بشأن إنتاج النفط، فماذا يعني هذا القرار؟ وما دور السعودية في اتخاذه؟ وما علاقة القصة بالحرب الباردة بين إدارة جو بايدن وولي العهد محمد بن سلمان؟
اللجنة الفنية لمجموعة أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بالإضافة إلى روسيا ومنتجين آخرين، اجتمعت في مارس/آذار الماضي، لمناقشة مسألة اعتماد بيانات تُصدرها وكالة الطاقة الدولية عند اتخاذ قرارات بشأن الإنتاج، واتخذت اللجنة قراراً بالإجماع بتجاهل وكالة الطاقة الدولية كمصدر موثوق به.
ويأتي الكشف عن هذه القصة وسط تجاهل مجموعة أوبك+ الدعوات الغربية لزيادة الإنتاج في محاولة لخفض الأسعار البالغة حالياً حوالي مئة دولار للبرميل، بعد أن كانت قد وصلت إلى قرب 120 دولاراً للبرميل.
ما هي وكالة الطاقة الدولية؟
تأسست وكالة الطاقة الدولية عام 1974 لمساعدة الدول الصناعية الغربية على التعامل مع أزمة النفط، أثناء قرار الحظر العربي للنفط، الذي تم اتخاذه كورقة ضغط على الدول الغربية المنحازة لإسرائيل على حساب الدول العربية، وهو القرار الذي تسبب في تقليص الإمدادات ودفع أسعار النفط للارتفاع.
وتضم الوكالة 31 دولة صناعية في عضويتها، لكن الولايات المتحدة هي أكبر ممول لها، وتقدم الوكالة المشورة للحكومات الغربية بشأن سياسات الطاقة، كما تصدر الوكالة تقارير وبيانات خاصة بأسواق الطاقة العالمية واحتياجات السوق وكيفية الحفاظ على الأسعار.
ومنذ تأسيسها، شهدت الوكالة تحولات في أسواق النفط كما مرت علاقاتها بأوبك بأوقات صعود وهبوط، ترجع بالأساس إلى الاختلاف في التقييم أحياناً بين ما تصدره الوكالة من تقييمات وبين ما تراه الدول المنتجة، لكن ظلت العلاقة بين الوكالة وأوبك قائمة ومستمرة.
وحتى قبل أن تتصاعد التوترات بين الطرفين هذا العام، حدثت نقطة تحول بالنسبة للسعودية والإمارات عندما أصدرت الوكالة تقريرها قبل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في جلاسجو أواخر العام الماضي.
إذ قالت الوكالة في تقريرها إنه إذا كان العالم جاداً بشأن الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، فيتعين عدم توجيه أي استثمارات جديدة لمشروعات النفط والغاز.
وبحسب مصادر تحدثت لوكالة رويترز بشأن قرار التخلي عن بيانات الوكالة، فاقم تقرير الوكالة بشأن المناخ مخاوف مجموعة أوبك+ من أن تكون الوكالة تتجاهل حجم الطلب في الأجل المتوسط.
وفي ضوء ذلك، عارضت مجموعة أوبك+ مطالبة الوكالة بضخ المزيد من النفط من أجل خفض الأسعار، مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بطريقة تلائم الغرب، إذ اعتبرت أوبك+ أن السوق يتمتع بإمدادات مناسبة من النفط بالفعل.
السعودية توجه الضربة القاضية
وفي هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لرويترز إن قراراً مدعوماً من السعودية بأن تتوقف مجموعة أوبك+ عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية، يعكس المخاوف من التأثير الأمريكي على البيانات التي تصدرها الوكالة، كما يزيد التوتر بين الرياض وواشنطن.
وفي ضوء ذلك، انتهت المناقشات الفنية لمجموعة أوبك+ التي استمرت 6 ساعات في مارس/آذار، باتخاذ قرار بالإجماع بإسقاط بيانات وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة سوق النفط.
وقالت المصادر إن السعودية وروسيا شاركتا في رئاسة الاجتماع الذي حضره ممثلون عن الجزائر والعراق وكازاخستان والكويت ونيجيريا والإمارات وفنزويلا.
والقرار رمزي بدرجة كبيرة؛ إذ إن أوبك+ يمكنها دائماً اختيار البيانات التي تستخدمها من 6 مصادر من خارج أوبك، عند تكوين وجهة نظرها بشأن موازنة العرض والطلب في سوق النفط.
وقالت ستة مصادر لرويترز إن إسقاط أوبك+ لهذه البيانات بشكل رسمي يشير إلى تنامي الاستياء مما تعتبره المجموعة انحيازاً وكالة الطاقة الدولية للولايات المتحدة، أكبر عضو فيها. وأشارت المصادر، على وجه الخصوص، إلى تعديل الوكالة بالزيادة لمستوى الطلب التاريخي، في فبراير/شباط، وتقديرها لكمية النفط الروسي الذي ستخرجه العقوبات من السوق والتي تراها المجموعة مبالغاً فيها.
وقال مصدر مشارك بشكل مباشر في القرار لرويترز “وكالة الطاقة الدولية تعاني من مشكلة عدم الاستقلالية، وهو ما يُترجم إلى مشكلة فنية تتعلق بالتقييم”.
وتحدثت المصادر بشرط عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر. ولم ترد وزارتا الطاقة في السعودية والإمارات على طلب للتعليق، ووصل أحد المصادر إلى حد وصف الوضع بأنه “حرب باردة”، وألقى اللوم على وكالة الطاقة الدولية في إشعالها.
وكالة الطاقة الدولية، من جانبها، قالت لرويترز إن تحليل بياناتها محايد سياسياً، وذكرت في رد على أسئلة بالبريد الإلكتروني “تجاهد وكالة الطاقة الدولية لتقديم وجهة نظر غير منحازة ومستقلة لأساسيات سوق النفط، والاعتبارات السياسية لم تكن قط عاملاً مؤثراً على كيفية تقييم الوكالة لتوقعات السوق”.
وأضافت “تقرير سوق النفط يشمل بيانات العرض والطلب والمخزونات من مصادر رسمية، مدعومة بتقديرات عندما لا تتوافر البيانات”.
لكن بالإضافة إلى تعليقات المصادر، وجه البعض من داخل أوبك انتقادات صريحة وعلنية لوكالة الطاقة الدولية، فقد طلب سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي في مؤتمر عن القطاع، في مارس/آذار، من وكالة الطاقة الدولية، أن تكون “أكثر واقعية” وألّا تُصدر معلومات مضللة.
إذ فاجأت وكالة الطاقة الدولية سوق النفط، في فبراير/شباط، عندما عدلت بالرفع تقديرها الأساسي للطلب العالمي بنحو 800 ألف برميل يومياً، أي أقل بقليل من واحد في المئة من سوق النفط العالمي، البالغة حوالي 100 مليون برميل يومياً.
وقال محللون إن المراجعة التي أعقبت إعادة تقييم بالزيادة للطلب على البتروكيماويات في الصين والسعودية رجوعاً حتى 2007، تؤدي إلى رؤية مفادها أن توازن سوق النفط أكثر دقة مما كان يعتقد سابقاً، وهو ما يعزز الدعوى بأن أوبك يجب أن تحاول زيادة الإنتاج بسرعة أكبر.
لكن أحد المصادر قال لرويترز إن السعودية اختلفت مع إعادة التقييم. وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الاضطرابات الناجمة عن الجائحة جعلت من الصعب الحصول على أرقام دقيقة، وأنها نشرت البيانات المعدلة بمجرد توفر المعلومات.
وأضافت الوكالة “لاحظت وكالة الطاقة الدولية لبعض الوقت عدم توافق متزايد في التغييرات الملحوظة والضمنية في المخزونات، كما أن تعديل تقديراتنا التاريخية للطلب على النفط المدرجة في تقرير فبراير/شباط، قطعت شوطاً جيداً في سد تلك الفجوة”.
وقالت المصادر إن توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن تأثير العقوبات على الإنتاج الروسي أثارت انتقادات من داخل أوبك، باعتبارها تهدف إلى الضغط من أجل زيادة إنتاج المنظمة.
وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج النفط الروسي قد ينخفض بواقع ثلاثة ملايين برميل يومياً، اعتباراً من أبريل/نيسان، بينما قالت شركات تجارية مثل فيتول وترافيجورا إن صادرات النفط الروسية قد تنخفض بواقع 2-3 ملايين برميل يومياً. ووفقاً لتقديرات محللين وبيانات روسية، فقد انخفض إنتاج النفط الروسي بأقل من مليون برميل يومياً، في أوائل أبريل/نيسان.
وقالت وكالة الطاقة الدولية “استندنا في تقييمنا الأوّلي للصادرات إلى تصريحات من عدد من الشركات التي أعلنت بالفعل أنها ستخفض أو تقلل مشترياتها من النفط الروسي، لكننا لاحظنا زيادة الاهتمام بالنفط ذي الأسعار المخفضة، وهو ما يمكن أن يعوض ذلك. “كما أشرنا، نظراً للظروف المتغيرة بسرعة، فإن التقدير قيد المراجعة المستمرة، وسيتم تعديله حسب الضرورة”.
بايدن فقد تأثيره على الرياض تماماً
نعم القرار بشأن وكالة الطاقة الدولية يعتبر رمزياً، لكنه يكشف عن المأزق الذي يواجهه الرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يتعلق بالسعودية تحديداً، وكيفية إدارة العلاقة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة.
غلاء أسعار الطاقة، الذي يرجع جزئياً إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا، قد أجج التضخم حول العالم، في وقت يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطاً لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة قبيل انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن الرياض لم تبد أدنى استعداد لإنقاذ بايدن، الذي لم تفعل إدارته شيئاً يذكر لمعالجة مخاوف دول الخليج بشأن إيران في المحادثات النووية في جنيف، كما أنهت واشنطن دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وفرضت شروطاً على مبيعات السلاح الأمريكي للسعودية والإمارات. وإضافة إلى ذلك لم يتعامل بايدن بشكل مباشر مع ولي العهد.
إذ كان القرار الأول هو رفض زيادة إنتاج النفط، الذي بررته السعودية والإمارات بأن أوبك+ يجب أن تظل بعيدة عن السياسة، وفي اجتماع شهري في نهاية مارس/آذار، اتفقت المجموعة على الالتزام بزيادة شهرية متواضعة كانت مخططة مسبقاً.
ثم تجاهل ولي العهد السعودي الرد على مكالمات بايدن نفسه، واستقبل الرئيس الصيني استقبالاً حافلاً، وتم الإعلان عن قرب توقيع اتفاق بين الرياض وبكين تدفع بموجبه الصين ثمن النفط السعودي باليوان وليس الدولار، وهي خطوات يقول مراقبون إنها عقاب ولي العهد لساكن البيت الأبيض.
وتحت عنوان “كيف فقد بايدن السعودية”، نشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية مقالاً، رصد كيف أن سياسة الرئيس الأمريكي قد أفقدت واشنطن نفوذها لدى أكبر منتج للنفط في العالم، والحليف التقليدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ أكثر من 77 عاماً.
ورصد المقال كيف تسببت إدارة بايدن في دفع السعوديين نحو الشرق، وتحديداً تجاه الصين وروسيا، رغم أن مسألة استخدام اليوان كعملة تداول عالمية ليس مسألة سهلة، ورغم أن الريال السعودي مرتبط بالدولار فإن سعي ولي العهد لإعادة مناقشة المسألة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤشر على أن الولايات المتحدة قد فقدت نفوذها لدى السعودية بشكل كامل.