تدوينة بعد تدوينة وسجالات على تويتر ورسائل مبطنة، هكذا تحول الفضاء الإعلامي والرقمي في مصر والسعودية إلى ساحة تراشق لفظي مستعر تبادل بموجبه إعلاميون مقربون من السلطات في البلدين اتهامات، فضلاً عن التذكير بـ”أفضال” كل بلد على الآخر.
ورغم التزام البلدين رسميا الصمت إزاء هذه الحرب الكلامية، إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن وجود توتر بين القاهرة والرياض.
وفي خضم التراشق المتواصل بين كتاب في البلدين، خرج البعض ليقلل من أهمية تلك التكهنات معتبراً ما يحدث بأنها مجرد “تصريحات فردية لا تعكس واقع العلاقات بين الدولتين”.
ففي الرابع من فبراير، نشر الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، تغريدة أكد فيها”متانة العلاقات بين البلدين”.
وتأتي تغريدة عبد الخالق رداً على مقال نُشر على موقع “القاهرة 24 ” وصحيفة “الجمهورية” المصرية.
فقد شن كاتب المقال هجوما على دول “لم يسمها” مستنكراً “الإساءة التي طالت مصر وجيشها من قبل شخصيات إعلامية في تلك الدول” على حد وصفه.
ورغم أن موقع صحيفة “الجمهورية” قام بحذف المقال لاحقاً، إلا أن بعض المعلقين أعادوا نشره، وقالوا “إنه تضمن تلميحات واضحة للسعودية والخليج”.
ووصف الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله ما جاء في المقال بأنه “ردح رخيص” داعياً الإعلام الخليجي لتجاهله.
في حين رأى المتفاعلون مع تغريدة عبد الخالق أن المقال يأتي في أعقاب “انتقادات وجهها كتّاب سعوديين للحكومة المصرية وللدور الذي يلعبه الجيش المصري في الاقتصاد”.
كيف انطلق الجدل؟
ففي أواخر يناير نشر الأكاديمي السعودي تركي الحمد، سبع تغريدات تطرق فيها إلى الأوضاع الاقتصادية في مصر.
وأحصى الأكاديمي السعودي مجموعة من العوامل التي تسببت بحسب رأيه في “وقوع مصر أسيرة لصندوق النقد الدولي”.
ومن بين العوامل التي ذكرها الحمد “سيطرة الجيش على دوائر الدولة ومفاصلها”، إضافة إلى ما سماها بـ “البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير”.
قوبلت تلك التغريدات بردود فعل متباينة، فمن المعلقين من رأى أن الكاتب نجح في تشخيص الوضع في مصر ومنهم من انتقد تغريداته واعتبرها مليئة بالمغالطات وتدخلا غير مقبولا في الشأن المصري.
ويبدو أن الكاتب السعودي اضطر لاحقاً لحذف تلك التغريدات مكتفيا بتغريدة واحدة يستنكر فيه “حساسية البعض من أي رأي ناقد يأتي من خارج بلدهم”.
كما دفعت تغريدة الحمد الأخيرة رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، للرد عليه والتأكيد على تقبله للنقد.
وعلى غرار الحمد، نشر الكاتب السعودي المختص في علم الاجتماع السياسي، خالد الدخيل تغريدة، حول أبعاد المشهد السياسي والاقتصادي في مصر.
وقال الدخيل إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”.
جرت تلك التغريدة انتقادات لاذعة على الدخيل فأعقبها بأخرى يؤكد فيها على أهمية مصر مضيفا بأن ” نقد سياسات أي حكومة ليس نقدا للدولة”.
ولا تزال تلك التعليقات وما تبعها من ردود فعل واسعة تحظى باهتمام قطاع من رواد مواقع التواصل، لا سيما أنها تأتي بعد أسابيع من انتقادات وجهها إعلاميون مصريون لزميلهم عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” في قناة “MBC مصر” المملوكة للسعودية.
وفي مطلع يناير الحالي هاجم الإعلامي المصري محمد الباز أديب على خلفية انتقاد الأخير للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر خلال الفترة الماضية.
واعتبر الباز زميله بأنه يروج للمشروع السعودي سواء كان “حلو أو وحش”، بحسب تعبيره.
تفسيرات متباينة
وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض لذلك المشهد على “أنه أحد تداعيات الأزمة التي تشهدها العلاقات المصرية السعودية”، يصفها آخرون بأنها “تصريحات إعلامية عابرة”.
ورغم نفي البعض للتكهنات التي يتم تداولها حول العلاقات بين البلدين، يرى مدونون في استمرار حرب التعليقات مؤشرات على وجود خلاف على المستوى الرسمي”.
وللتدليل على كلامهم، يستند أولئك المدونون على تقارير صحفية أجنبية كانت قد تحدثت عن تغيب السعودية والكويت عن القمة التي استضافتها الإمارات في وقت سابق من هذا الشهر، في حين كانت مصر والأردن من بين الحاضرين.
وثمة من يربط الجدل الدائر بالمساعدات الخارجية لمصر وصندوق النقد الدولي.
إذ يتحدث البعض عن قواعد وشروط جديدة تضعها السعودية لتحديد علاقاتها مع حلفائها وأشقائها. وتتعلق تلك الشروط حصرا بالمساعدات والمنح الخارجية التي يرى مغردون أنها أساس تلك الحرب الكلامية بين الإعلاميين المصريين والسعوديين.
وهنا يستدعي البعض تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان.
فخلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في 18 يناير الماضي ، كشف الجدعان عن تغير استراتيجية بلاده في تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.
وقدجاء خطاب الوزير السعودي في سياق عام ولم يشر إلى دولة بعينها، إلا أن كثيرين ربطه في وقت لاحقا بتصريحات الحمد والدخيل.
حتى أن بعض المحللين ذهبوا إلى أبعد من ذلك ليشيروا إلى رفض بعض المسؤولين الخليجيين دعوات صندوق النقد الدولي الأخيرة لمساعدة مصر”.
من جهة أخرى، يقول البعض إن “الخلاف المكتوم بين البلدين مرده تأخر الجانب المصري في تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية”
وتعزو القاهرة ذلك التأخير إلى أسباب فنية تتعلق بتفاصيل وإجراءات عملية التسليم، بحسب ما ذكره تقرير لموقع إكسيوس الأمريكي.
كل تلك المعطيات يجد فيه البعض ما يدل على تغيير المعادلة والتوازنات التي كانت تحكم العلاقات بين البلدين.
وخلال العقود الماضية، مرت العلاقات المصرية السعودية بمحطات من المد والجزر، لذا يتوقع كثيرون أن تظل تلك المعارك الكلامية بين الإعلاميين حبيسة المنصات الرقمية.
وثمة من يصف العلاقات المصرية السعودية بالعمود الفقري للمنطقة العربية.
ويقول بعضهم إن التحديات الأمنية الإقليمية والضغوط الاقتصادية العالمية ستبقي العلاقات بين البلدين صامدة. “فمصر تحتاج إلى الاستثمارات السعودية للخروج من أزمتها الاقتصادية و بأن الرياض بحاجة للاعب بحجم مصر للتصدي لإيران وحلفائها” وفق قولهم.
كما يتهم مغردون بعض الجهات السياسية المعارضة بتهويل الموضوع.
وللتأكيد على ثبات العلاقات بين البلدين، يتداول البعض صورا من الجولة الخامسة لـ “لجنة المتابعة والتشاور السياسي المصرية السعودية” التي عُقدت قبل أيام في العاصمة الرياض، وهي لجنة تنعقد بشكل دوري لتعزيز آفاق التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات.