نشر موقع «أويل برايس» تحليلًا للصحافي والكاتب سيمون واتكينز تناول فيه التحالف النفطي بين السعودية وروسيا وأسباب رغبة المملكة في الحفاظ عليه حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والعقوبات الغربية، وسلَّط الكاتب الضوء على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والسعودية، التي دعَت الأخيرة للتقارب أكثر مع المحور الصيني الروسي.
وبعد هذا الاجتماع بوقتٍ قصير، أعلن تحالف «أوبك بلس» الذي يضم جميع الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» بالإضافة إلى روسيا عن زيادة نظرية في إنتاج النفط الخام تقدر بـ648 ألف برميل يوميًّا في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) بدلًا من 432 ألف برميل يوميًّا المقررة في الاتفاق السابق، ومن الناحية العملية، ونظرًا لأن هذه الزيادة تشمل أيضًا الصادرات الروسية المحظورة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنها لا معنى لها، وكذلك الحال فيما يخص التأكيدات السعودية بأن أي عجزٍ في الإنتاج الروسي سيُعوَّض من دول أخرى في منظمة «أوبك»، فهي لا معنى لها من الناحية العملية بسبب علامات الاستفهام التي تحوم حول إمكانات الاستخراج الحقيقية.
ويشير الكاتب إلى أن أي بقايا لفكرة أن المملكة قد تخفف من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها عدد من البلدان بسبب ارتفاع أسعار النفط قد تبددت نهاية ذلك الأسبوع عندما رفعَت السعودية سعر البيع الرسمي للخام العربي الخفيف لآسيا إلى 6.50 دولار للبرميل في يوليو لتصل إلى متوسط مؤشري عُمان ودبي، مرتفعًا عن الـ4.40 دولار في يونيو (حزيران).
وبذلك، سيكون تأثير زيادة إنتاج «أوبك بلس» يساوي صفرًا، وهو ما تعرفه جيدًا السعودية وروسيا وجميع الدول الأعضاء في «أوبك». والسؤال الآن، لماذا تتمسك السعودية، التي لطالما عُدَّت حليفًا قويًّا للولايات المتحدة منذ اتفاق العلاقة الثنائية الذي جرى التوصل إليه عام 1945، بقوة بعدو واشنطن الأزلي روسيا، حتى في الوقت الذي لا يزال فيه الغزو الروسي لأوكرانيا يجري على قدمٍ وساقٍ؟
الخلاف السعودي الأمريكي
يقول الكاتب إن جوهر الإجابة يكمن في التداعيات المباشرة لحرب أسعار النفط التي وقعت في الفترة من 2014 حتى 2016، والتي أطلقتها المملكة بقصد تدمير قطاع النفط الصخري الأمريكي الناشئ آنذاك، أو تعطيله لأطول فترةٍ ممكنةٍ؛ ففي عام 2014، عَدَّ السعوديون، وهم محقون، هذا القطاع على أنه أكبر تهديد لأموالهم وسلطتهم السياسية، وكلاهما كان ولا يزال، يعتمد على المواد النفطية.
إضافةً إلى ذلك، اعتقد السعوديون، ولم يكن اعتقادًا صحيحًا في تلك المرحلة، أن الولايات المتحدة تنوي وقف دعمها الميداني للسعودية في المنطقة أو تقليصه على الأقل بوصفها حصنًا رئيسًا لواشنطن ضد النفوذ المتزايد لإيران وروسيا والصين، وتأججت هذه المخاوف في الرياض في ذلك الوقت بسبب المحادثات التي كانت تجري حول «الاتفاق النووي» بين القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة نفسها وإيران، العدو التاريخي للمملكة، وقد أسفرت هذه المحادثات بالفعل بعد أقل من عامٍ عن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي أعادت إيران فعليًّا إلى المسرح السياسي العالمي.
ونظرًا لقدرة كثير من شركات النفط الصخري الأمريكية غير المتوقَّعة على الصمود في وجه أسعار النفط التي انخفضت جدًّا بفعل فائض إنتاج أوبك، أدَّت حرب أسعار النفط من 2014 حتى 2016 إلى تدمير الاقتصاد السعودي واقتصاد الدول العربية الأخرى في أوبك، بحسب الكاتب. والنتيجة السلبية الأخرى، أن السعودية فقدت مصداقيتها بصفتها زعيمًا فعليًّا لمنظمة «أوبك»، وفقدت «أوبك» مصداقيتها بصفتها قوة لا تقهر في أسواق النفط العالمية، وهذا يعني أن تصريحات «أوبك» حول العرض والطلب على النفط في المستقبل فقدت كثيرًا من قدرتها على تحريك الأسواق، وأن صفقات الإنتاج المشترك الخاصة بهم قد ضعفت فاعليتها.
أسعار النفط في قلب السياسة الأمريكية
يلفت الكاتب إلى أنه في تلك الأثناء، اختفى عديد من الأسباب الجوهرية التي دعَت إلى اتفاقية 1945 بين الولايات المتحدة والسعودية. فلم تعد الولايات المتحدة تثق في عدم ملاحقة السعودية لقطاع النفط الصخري الأمريكي، كما لم تثق في أن السعودية ستحاول الإبقاء على أسعار النفط في حدود 35-75 دولارًا للبرميل من مزيج برنت، وهو السعر المثالي بالنسبة لواشنطن. فعند 35 دولارًا، يمكن لعديد من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة على الأقل تحقيق التعادل دون ربح أو خسارة أو تحقيق ربح طفيف. و75 دولارًا هو الحد الأقصى الذي تبدأ بعده التهديدات الاقتصادية والسياسية السلبية الخطرة في الظهور.
وفيما يخص الاقتصاد الأمريكي، توضح السوابق التاريخية أن تغييرًا مقداره 10 دولارات في سعر النفط الخام ينتج منه تغير بنسبة 25 إلى 35 سنتًا في سعر جالون البنزين. ومقابل كل سنت زيادة في متوسط سعر البنزين، يضيع مليار دولار أمريكي سنويًّا من الإنفاق الاستهلاكي الإضافي.
وسياسيًّا، فمنذ الحرب العالمية الأولى، يُعاد انتخاب الرئيس مرة واحدة من كل سبع مرات إذا كان الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود. وسيواجه بايدن أو أي مرشح ديمقراطي انتخابات رئاسية أخرى عام 2024، ولكن قبل ذلك سيواجه انتخابات منتصف المدة الحاسمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 حيث يمكن أن يخسر الديمقراطيون أغلبيتهم الضئيلة في مجلس النواب.
لهذه الأسباب تغيرت وجهة نظر الولايات المتحدة التي لطالما خافتها السعودية، وهو أن واشنطن كانت تنوي وقف الدعم الميداني للسعودية في المنطقة، أو على الأقل تقليصه، بمجرد أن تتمكن من زيادة إنتاجها النفطي إلى الدرجة التي لا تحتاج معها النفط السعودي، وبمجرد أن تكوِّن تحالفات أخرى لمواجهة إيران في الشرق الأوسط. وبدأت هذه العملية بالفعل مع صفقات التطبيع التي انطلقت عام 2020.
السعودية في المدار الصيني الروسي
يضيف الكاتب: وفيما يخص السعودية، وفي أعقاب حرب أسعار النفط 2014-2016، لم يكن أمامها من خيار سوى أن تقف وتشاهد الولايات المتحدة وهي تزيد من إنتاج نفطها وغازها الصخري بلا هوادة، وتقيم تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، بينما تعمل على تقليص دعمها للسعودية تدريجيًّا. ولا عجب إذن أن تقبل السعودية عرض المساعدة الروسي بعد حرب أسعار النفط 2014-2016.
وقد كان الكرملين في تلك المرحلة مدركًا تمامًا للإمكانات الاقتصادية والجيوسياسية الكبرى التي كانت متاحة له إذا أصبح مشاركًا أساسيًّا في مسألة العرض والطلب وتسعير النفط الخام، لذلك وافق على دعم اتفاق خفض الإنتاج التالي لأوبك فيما أُطلِق عليه منذ ذلك الحين «أوبك بلس».
وشكَّل هذا التحالف مصدرَ قلقٍ عميقًا للولايات المتحدة، وأسهم في زيادة مشاعر عدم الثقة في السعودية. وتفاقمت هذه المشاعر عندما شنَّت السعودية حرب أسعار نفط أخرى عام 2020 مدفوعة بالنية نفسها التي خاضت بها حرب 2016-2018 وهي الإضرار بقطاعي النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، وهو ما عدَّته واشنطن عملًا عدائيًّا. وقد ساءت هذه المشاعر السلبية بفعل عدد من العوامل أهمها عدم رغبة السعودية، أو عدم قدرتها، على فعل أي شيء ذي معنى لخفض أسعار النفط التي لا تزال مرتفعة.
ومن جانبها، توقفت الرياض عن اعتبار الولايات المتحدة صديقًا حقيقيًّا على المسرح العالمي بحلول عام 2016، وأولئك الذين هم في السلطة الآن، أي عائلة آل سعود المالكة، يدركون تمامًا أن اتفاقية عام 1945، التي تشمل أمرًا حاسمًا لهم، وهو دعم الولايات المتحدة لموقع العائلة المالكة للبلاد، لم يعد فاعلًا لواشنطن. ويمكن استنتاج ذلك من رفض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حتى تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس جو بايدن حول موضوع استمرار ارتفاع أسعار النفط.
ويمكن القول إن السبب الوحيد الذي جعل السعودية لا تتقدم أكثر في تحالفها سياسيًّا مع روسيا بعيدًا عن «أوبك بلس» هو أنها لا تشعر حتى الآن بأنها مدعومة بما يكفي من المحور الصيني الروسي إلى الحد الذي يجعلها تتحمل غضب الولايات المتحدة الكامل، وفق رؤية الكاتب. إن إنعاش واشنطن لقانون نوبك «لا للكارتلات المنتجة والمصدرة للنفط» هو أقوى علامة إلى حد الآن على نفاد صبر واشنطن أخيرًا من الرياض. وقد فسَّرت المملكة، وهي محقة في ذلك، هذا على أنه طلقة تحذير ستُجر بعدها مزيدًا من الإجراءات الأعمق إذا تحركت السعودية علنًا ومباشرةً إلى داخل مجال النفوذ الصيني الروسي.
ويختم الكاتب بالقول: ومع ذلك، فإن الصفقات العديدة التي أبرمتها السعودية مع روسيا منذ عام 2016 ومع الصين أيضًا، إضافة إلى إعادة تنشيط مجلس التعاون الخليجي ضمن سياق «العروبة»، تنذر بأن تحولًا أكثر حسمًا ووضوحًا من جانب السعودية وحلفائها، بمن فيهم «أوبك» و«أوبك بلس»، يمضي قدمًا بعيدًا عن الولايات المتحدة وباتجاه الصين وروسيا.