اتخذت الحكومة السعودية قراراً مفاجئاً، قبل أيام من بدء موسم الحج هذا العام، اعتبره مسلمو بريطانيا ضربة “قاصمة” لهم، فما القصة؟
ومع اقتراب موسم الحج هذا العام، كان الارتفاع الكبير في تكاليف أداء الفريضة، مقارنة بالأعوام الماضية التي سبقت جائحة “كورونا”، قد تسبب في حالة من الجدل، إذ شملت التكاليف المضاعفة بأكثر من 200% الحجاج من داخل المملكة ومن خارجها أيضاً.
فأسعار الحج من داخل السعودية هذا العام شهدت ارتفاعاً كبيراً مقارنة بالسنوات الماضية، لأسباب متعددة، منها محدودية عدد الأفراد المسموح لهم بأداء الفريضة وإجراءات جائحة كورونا وآخر مستجداتها، وكذلك ارتفاع الخدمات التي سيتم توفيرها للحفاظ على سلامة وصحة المواطنين والمسافرين أيضاً، وهذا كله بطبيعة الحال أدى إلى ارتفاع أسعار خدمات المطوّفين في السعودية، وضاعف رسوم حملات الحج هذا العام.
مشكلة مسلمي بريطانيا أكثر عمقاً من التكلفة
لكن قراراً مفاجئاً اتخذته الحكومة السعودية بشأن الحج، قبل فترة قليلة من بداية الأيام المخصصة لأداء الفريضة، تسبب في حالة من “الصدمة” لدى مسلمي بريطانيا، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني عنوانه “قرعة الحج: كيف أدى قرار سعودي مفاجئ إلى (دمار) مسلمي المملكة المتحدة”.
وبحسب تقرير الموقع البريطاني، حصلت الشركات المنظمة لرحلات الحج على الضوء الأخضر لبيع الباقات للمسلمين في المملكة المتحدة، بعد توقف مؤلم دامَ عامين بسبب الجائحة.
يقول حبيب الرحمن، صاحب إحدى شركات رحلات الحج في لندن، لموقع Middle East Eye: “منذ 14 أو 15 يوماً فقط، كنا متأكدين أننا في طريقنا إلى هناك. هذا ما أخبرونا به في السعودية”.
وقبل الجائحة، كان نصيب المملكة المتحدة من الحجاج 25 ألفاً كل عام، ولكن بعد إعلان السعودية تقليص أعداد الحجاج عام 2022- بعد تخفيضها الأعداد إلى مليون حاج على مستوى العالم عوضاً عن 2.5 مليون قبل الجائحة- تراجعت حصة بريطانيا إلى نحو نصف الرقم المعروف لتصل إلى 12.348.
كانت بشرى واحدة من هؤلاء الحجاج الذين كانوا يعدون للسفر إلى السعودية، وهي محاضِرة جامعية تبلغ من العمر 31 عاماً من برادفورد. وقد بدأت الترتيب لرحلتها في ديسمبر/كانون الأول، وعثرت على شركة سياحية يشرف عليها شيوخ بريطانيون شعرت بأنهم يتوافقون مع أفكارها واحتياجاتها.
وقالت بشرى لموقع Middle East Eye: “بعدما أعطت وزارة الحج الضوء الأخضر والترخيص لشركات السياحة، دفعتُ 10000 جنيه إسترليني لتأمين مكاني”.
وعادةً ما تقبل شركة حبيب الرحمن السياحية “الكبير” 120 حاجاً. ولكن لم يخصص لها سوى 58 هذا العام، جميعهم دفعوا الأموال المطلوبة وطلبوا إجازة من العمل وشاركوا في الندوات التحضيرية.
ولكنهم فوجئوا بقرار آخَر الأسبوع الماضي. إذ أعلنت السعودية أن حجاج أوروبا وأستراليا والأمريكتين لا يمكنهم الحجز من خلال الشركات السياحية لأداء فريضة الحج هذا العام.
بل أصبح عليهم التقدم من خلال قرعة عشوائية على موقع مطوف المدعوم من الحكومة السعودية. وقال حبيب الرحمن: “كانت ضربة قاضية، وتغير كل شيء”.
غضب من السلطات السعودية
طلبت السلطات السعودية ممن حجزوا أماكنهم من خلال الشركات أن يستردوا أموالهم في الحال، وأن يتقدموا للقرعة.
تقول بشرى: “شعرت بغضب عارم من الحكومة السعودية، لأنها غيرت كل شيء في اللحظة الأخيرة”. وأضافت: “يشعرون بأن لديهم الحق الكامل في تغيير النظام. فهم يسلبون الحجاج سلطتهم ويضعونها في يد شخص لن تراه أو تعرفه أبداً”.
ويُشار إلى أن الشركات المنظمة لرحلات الحج، الموجودة في السوق منذ عقود، تصمم باقاتها بما يتناسب مع احتياجات الزبائن.
على سبيل المثال، معظم زبائن شركة “الكبير” من الحجاج البريطانيين البنغاليين. ويتعامل معهم موظفون وشيوخ يتحدثون البنغالية ويقدمون لهم الطعام البنغالي.
ورغم أن موقع “مطوف” قدم بعض المعلومات عن تكلفة ومخططات باقاته، فتفاصيل كثيرة- مثل عدد الأشخاص في كل مجموعة، وكيفية تحديد المجموعات- لا تزال غير معروفة.
تقول بشرى إنها لم تتقدم للقرعة، لأنها لا توفر نوع الخدمة المصممة حسب الطلب التي كانت تبحث عنها.
وقالت: “قراري الذهاب مع مجموعة جاء لأنني كنت أثق بالناس الذين سأذهب معهم. وكنت أثق بأفكار من سيتولون مهمة توجيهي وإرشادي. وكنت أشعر بالارتياح، لأن شيخاً بريطانياً يعرف ثقافتي واحتياجاتي هو من سيتولى توجيهي. أما في هذا النظام الجديد، فلا تعلم من سيرافقك في النهاية”.
السعودية تسعى للاستغناء “عن “الوسطاء”
لم يتضح كلياً بعدُ لماذا اتخذت السلطات السعودية قرار تغيير النظام، لا سيما أنه لم يتبقَّ على الحج سوى أيام معدودات. من الجائز أن يكون السبب هو أن المملكة ترغب في تجربة نظام التعامل المباشر مع المستهلك و”الاستغناء عن الوسيط” في السنوات المقبلة.
يقول شون ماكلوغلين، أستاذ أنثروبولوجيا الإسلام في جامعة ليدز، لموقع Middle East Eye: “هذه التجربة في التعامل المباشر بين الشركات والمستهلكين لم تضع الحجاج في الاعتبار رغم الخطاب الذي يشي بعكس ذلك. فلا يمكن اعتبار المصداقية والثقة أمراً مفروغاً منه”.
وأضاف: “أنظمة تكنولوجيا المعلومات والشركات التي تقدم هذه الخدمة على الأرض، عليها فهم الحجاج في تنوعهم المحلي والعالمي”.