وصفت صحيفة “هآرتس”” الإسرائيلية أن الأمير بندر بن سلطان بـ “مهندس” العلاقات الإسرائيلية مع المملكة والتي قالت إنها وصلت إلى مرحلة متطورة.
جاء ذلك في مقالة مطولة للكاتب الصحفي يوسي ميلمان بدأها بالحديث عن اجتماع رئيس مجلس الامن القومي ورئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان على مدى سنوات مع زعماء يهود، ورؤساء موساد وأيضاً رئيسي الحكومة إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو. موضحا أن اقتراحاته بقيت حتى الآن على الورق، لكنها أولدت اجتماع دراماتيكي في القصر بجدة، وتقارب حقيقي بين الدولتين.
وأضاف الكاتب أن بعض الإسرائيليين حاولوا أن ينسبوا لأنفسهم زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية و”إسرائيل”، هذا الأسبوع، والتي سيحاول خلالها تعزيز المزيد من إجراءات التطبيع بين البلدين. لكن الحقيقة المجردة هي أنّ من يستحق أن يحصل على رصيد التقارب بين السعودية وإسرائيل، هو تحديداً الأمير بندر بن سلطان.
وتابع بالقول: “في البداية، كانت الاتصالات مع المملكة العربية السعودية غير مباشرة، وكانت تتم بشكل رئيسي من خلال قادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية. واقع أنّ السفير السعودي اجتمع معهم لم يكن بالأمر اليسير، ثم منعت المملكة الوهابية اليهود من دخول أراضيها.
في أيام تلت قال بندر لمحادثيه الإسرائيليين إنّ سبب الانعطافة في العلاقات هو رغبته في فهم كيفية عمل وتأثير المنظمات اليهودية في أذرع الإدارة. أراد أن يؤسس شبكة نفوذ سعودية في الولايات المتحدة، على غرار شبكة نفوذ اليهود و”إسرائيل”. في الواقع، بفضل مهاراته وقدراته، أقام بندر علاقات شخصية وثيقة مع الرؤساء رونالد ريغان، وخصوصاً مع جورج دبليو بوش الأب وجورج دبليو بوش الابن، حتى أنّ اللوبي الذي أقامه في واشنطن ساعده على صد “إيباك” ومعارضة “إسرائيل” لبعض صفقات أسلحة سعودية مع الولايات المتحدة.”
ولفت “ميلمان” إلى أن “خلال فترة عمله الدبلوماسي، كان بندر الروح الحية وراء سلسلة من صفقات الأسلحة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، والتي تضمنت شراء طائرات مقاتلة من طراز “F-15″ و”F-16” وطائرة “الأواكس” للاستخبارات والإنذار. ورد اسمه أيضاً في صفقة ضخمة مثيرة للجدل مع بريطانيا، يشتبه في أنّه تلقى فيها رشوة بقيمة مليار جنيه إسترليني.
في فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، فعلت علاقات بندر مع عائلة بوش. واقع أنّ أسامة بن لادن كان سعودياً وشارك في الهجوم الإرهابي مخربين سعوديين تلقوا تبرعات من مؤسسات سعودية أثار غضباً هائلاً في أوساط الجمهور الأميركي على المملكة بشكل عام وسفيرها بشكل خاص.”
من المبادرة إلى الاتصالات
قال “ميلمان” إن “بداية التدخل السعودي في محاولات إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ترجع إلى عام 2002، عندما تم تقديم “مبادرة السلام العربية”. في الممارسة العملية، بدأت في وقت مبكر.
في وقت مبكر من العام 1981، بدأت عندما بادر ولي العهد فهد (الذي أصبح ملكاً بعد عام) إلى خطة سلام بين “إسرائيل” والدول العربية. الخطة، التي تبنتها جامعة الدول العربية بعد عام، تتكون من ثماني نقاط، أهمها: الانسحاب الكامل لـ”إسرائيل” من جميع الأراضي المحتلة عام 1967، والاعتراف بحق عودة الفلسطينيين أو دفع تعويضات لمن لا ريد العودة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وحرية العبادة من جميع الأديان في الحرم القدسي، وتفكيك جميع المستوطنات.
تم رفض الخطة من قبل رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ولكن كانت هناك عدة ابتكارات، أهمها: الاعتراف الفعلي بـ “إسرائيل” داخل حدود 4 حزيران/يونيو 1967 وإلغاء “اللاءات الثلاثة” لمؤتمر الخرطوم في آب/أغسطس 1967 (لا اعتراف ولا مفاوضات ولا سلام).”
وأوضح الكاتب أن “خطة فهد هي الأساس لتسريع العلاقات مع “إسرائيل” بمبادرة من الأمير بندر، الذي تم تعيينه سفيراً للولايات المتحدة بعد ذلك بعامين. أول لقاء لبندر مع مسؤول إسرائيلي كبير، رئيس الموساد شبتاي شافيت، حصل في النصف الاول من سنوات التسعينات، بعد حرب الخليج الاولى وانتخاب إسحاق رابين رئيساً للحكومة.
منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لمدة 30 سنة، التقى رؤساء الموساد واثنان على الأقل من رؤساء الحكومة، إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو، بمسؤولين سعوديين، ولكن ليس مع الملك نفسه. اللقاءات حصلت أيضاً على الأراضي السعودية نفسها. وكالعادة، رئيس الموساد يرافقه بمثل هذه الاجتماعات رئيس وحدة “تيفل”، قسم العلاقات الخارجية بالموساد، أو على الأقل رئيس البعثة في البلد الذي يُعقد فيه الاجتماع. يمكن الافتراض أنّ رئيس الموساد الحالي دافيد برنيع التقى مع السعوديين.”
وتابع أنه “بعد شافيت، التقى إفرايم هاليفي ومئير داغان مع الأمير بندر. في ولاية الأخير، روجت المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد (والملك لاحقاً) عبد الله، لمبادرة السلام العربية السالفة الذكر.
المبادرة كررت فعلاً “خطة فهد”، لكنها وسعتها أيضاً بدعمها لأول مرة تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. تمت الموافقة على هذه المبادرة أيضاً من قبل جامعة الدول العربية، ما دفع العلاقات السرية آنذاك هو ثلاث قضايا لا تزال تشكل حجر الزاوية في العلاقات الإسرائيلية السعودية حتى يومنا هذا: الخوف المشترك من برنامج إيران النووي، سعي إيران للهيمنة الإقليمية، والرغبة السعودية في تجهيز نفسها بتكنولوجيا وأسلحة متطورة من إنتاج إسرائيل”.
واكد “ميلمان” على أنه “حدثت لحظة تاريخية أخرى ساعدت على توطيد العلاقات أكثر في العام 2005، مع انتهاء فترة ولاية بندر في واشنطن وتعيينه رئيساً لمجلس الأمن القومي السعودي. في العام 2012، تم تعيينه أيضاً رئيساً للاستخبارات الوطنية، وشغل المنصبين بالتناوب حتى العام 2015.
في هذه الأدوار، شارك في تحركات دبلوماسية علنية وسرية حول العديد من القضايا في الشرق الأوسط المتعلقة بإيران ولبنان والحرب الأهلية السورية والمشاركة الروسية، وطبعاً “إسرائيل” والفلسطينيين.”
وكشف الكاتب أنه “دارت محادثات بندر مع داغان ثم لقائه مع أولمرت في عمان عاصمة الأردن بشكل أساسي حول إيران، حتى أنّ الأمير والنظام الملكي السعودي بأكمله كان ينظر إلى الجمهورية الإسلامية ودعمها للشيعة في البحرين والعراق وسوريا ولبنان على أنّها أكبر تهديد لهم. لهذا السبب، شجعوا “إسرائيل” على اتخاذ جميع الإجراءات المتاحة لإحباط البرنامج النووي.
وطبقاً لمنشورات أجنبية، سعى داغان لإجراء محادثات للحصول على موافقة الرياض للسماح لطائرات سلاح الجو بالمرور عبر الأراضي السعودية، إذا قررت “إسرائيل” شن الهجوم. ليس من الواضح ما هو رد السعوديين، لكن يمكن الافتراض أنّه طالما لم يتم الكشف عن مثل هذا الهجوم وإحراجهم، فلن يعارضوا ذلك.”
ونوه إلى ان هناك “افتراض آخر هو أنّ المملكة العربية السعودية تعتبر الرئيس السوري بشار الأسد عدواً، وأنّ استخباراتها قد أطلقت خططاً لاغتياله عدة مرات. لذلك، لم تذرف الرياض دمعة عندما هاجمت “إسرائيل” المفاعل النووي في دير الزور في أيلول/سبتمبر 2007. خلال حرب لبنان الثانية، حثت المملكة العربية السعودية “إسرائيل” على توجيه ضربة قاسية لحزب الله، ومنعت دول عربية من العمل لإنهاء الحرب، و أصيب بخيبة أمل عندما وافقت “إسرائيل” على وقف إطلاق النار. بما لا يقل عن كراهيتها لحزب الله، تعتبر السعودية “حماس” أيضاً عدواً خطيراً يهدد الاستقرار في المنطقة.”
من الاتصالات إلى الاجتماعات
كشف الكاتب أن حزب الله وإيران و”حماس” كانوا في قلب اتصالات بندر خلال فترة ولاية تامير باردو رئيساً للموساد، ابتداءً من العام 2011.
وبحسب تقارير أجنبية، التقى باردو وممثلو “تيفل” بالأمير في أوروبا، بما في ذلك في منزله في بريطانيا. عُقد الاجتماع الأهم في آب/أغسطس 2014، مع انتهاء عملية الجرف الصلب، عندما استدعى الأمير كبار المسؤولين السعوديين في المؤسسة الأمنية. كانت هذه هي المرة الأولى التي يهبط فيها إسرائيليون في مناصب رسمية في المملكة. طاروا في طائرة خاصة توقفت لبضع دقائق في عمان ومن هناك وصلوا إلى قصر بندر في جدة.
مؤسسة إسرائيلية تنسق عمليات التطبيع: “السعودية الشريك غير الرسمي والحتمي في اتفاقيات أبراهام”
هناك، بموافقة الملك عبد الله، ناقش الطرفان لساعات مبادرة بعيدة المدى تهدف إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. بندر أعدّ خارطة طريق لاتفاق مع الفلسطينيين، والتي استندت إلى مبادرات سلام سابقة، لكن هذه المرة مُنحت “إسرائيل” الفرصة لإجراء تغييرات على المخطط. في الخلفية بعث وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل برسالة تصالحية اتهم فيها “حماس” بالمسؤولية عن تدمير قطاع غزة ودعا إلى التعايش مع إسرائيل”.
وأوضح انه “في المحادثات السرية في جدة، اقترح بندر أن يحضر وزير الخارجية الفيصل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2014، وبحضور جميع وزراء الخارجية العرب، والموافقة على خارطة الطريق المؤدية إلى تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلاقات دبلوماسية كاملة والتطبيع بين “إسرائيل” ومعظم الدول العربية. لأنّ الاجتماع كان مطولاً، أمر بندر المرافقين الإسرائيليين بإعادة الوفد بطائرته الخاصة إلى “إسرائيل”، وهي طائرة “إيرباص” فاخرة مع إكسسوارات مصنوعة من الذهب.
وسارع مسؤولو المؤسسة الأمنية إلى إبلاغ نتنياهو بشأن المباحثات، وأعطى موافقته على الفكرة. لاحقاً، سافر نتنياهو مرتين بنفسه إلى أوروبا من أجل السماع شخصياً من بندر تفاصيل الاقتراح، وفي نهاية الاجتماعات، أبلغ الأمير السعودي أنّ الشخص الذي سيدير الاتصالات نيابة عنه سيكون مبعوثه الشخصي المحامي إسحاق مولخو.”
وأشار إلى أن “الأيام مرت ولم يحدث شيء. شعر نتنياهو بالبرودة، إذ أرسل الاقتراح إلى مولخو، وضاعت فرصة تاريخية أخرى لتسوية إقليمية. شعر بندر بالإحباط والإهانة، وقال بازدراء للرجل الذي التقى به “هو (نتنياهو) يظن نفسه على أنه تشرشل، لكنه ليس تشرشل. لا يمكنه أن يكذب على كل الناس طوال الوقت”. قطع العلاقات مع “إسرائيل”، وفي العام 2015 تقاعد بعد أن ترك مهامه بعد أن تحوّل الحكم إلى الملك الجديد سلمان.”
وأوضح “ميلمان” أن “محمد بن سلمان، ولي العهد، احتل مكانة بندر كأهم رجل في المملكة، ليس فقط فيما يتعلق بـ”إسرائيل”. يمثل ابن سلمان جيلاً جديداً في المملكة العربية السعودية. إنّه مصمم على قيادة البلاد إلى حقبة جديدة وتقليل، من بين أمور أخرى، اعتماد اقتصادها على صناعة النفط. وهو أيضاً، مثل أسلافه، وربما أكثر من ذلك، يرى إيران على أنّها التهديد الأكبر.
حتى بعد دخول ابن سلمان الساحة، استمرت العلاقات السعودية الإسرائيلية في الازدهار من خلال الموساد، والتقى نتنياهو وكوهين ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات.
كشف أسماء مسؤولين إسرائيليين زاروا السعودية سرا.. وكواليس لقاء نتنياهو وابن سلمان
في أحد الاجتماعات التي أعطته “إسرائيل” بعداً علنياً، رغم عدم رغبة ولي العهد، سافر الثلاثة إلى مدينة الاستجمام نيوم الواقعة في شمال غرب المملكة على شواطئ البحر الأحمر. يمكن الافتراض أنّ ضباطاً كباراً في الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم رئيس الأركان آنذاك غادي إيزنكوت، شوهدوا أيضاً برفقة مسؤولين سعوديين كبار”.
من الاجتماعات إلى الأعمال التجارية
قال الكاتب “إنّ نفس القضايا والاهتمامات هي في قلب الاتصالات على محور القدس-الرياض اليوم: تبادل التقديرات السياسية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والصراعات المشتركة ضد إيران، وحزب الله، وسوريا، و”حماس”، والقاعدة، و”داعش”. كذلك، تشتري المملكة العربية السعودية بشكل متزايد معدات أمنية وتكنولوجية وأدوات سيبرانية واستخباراتية من “إسرائيل”، بما في ذلك برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس” التابع لشركة NSO. في الآونة الأخيرة، كانت هناك تقارير متزايدة عن أن المملكة العربية السعودية تدرس شراء أنظمة دفاع جوي من إسرائيل”.
وأشار إلى “قول وزير الأمن بني غانتس قبل أيام في لقاء مع المراسلين العسكريين إنّه في العامين الماضيين وقّعت شركات إسرائيلية ووزارة الأمن صفقات أسلحة وصادرات عسكرية مع دول سنية (لا تشمل الأردن ومصر) بقيمة 3 مليارات دولار. يمكن الافتراض أنّ جزءاً كبيراً من هذا المبلغ هو سعودي.
في الوقت نفسه، هناك أيضاً تسارع في الأعمال المدنية والتعاون في صناعات الزراعة والمياه والمعدات الطبية والتكنولوجيا الفائقة. يسافر مئات الإسرائيليين من حاملي الجنسية الأجنبية بحرية إلى المملكة العربية السعودية في الأشهر الأخيرة، وتمر طائرات مدنية في طريقها من وإلى “إسرائيل” عبر مجالها الجوي”.
بينما أوضح أن “بايدن سيسعى خلال زيارته للشرق الأوسط، لصياغة اتفاق للتعاون الإقليمي مع إسرائيل والسعودية ودول الخليج ومصر والأردن والعراق، للحماية من الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة. إلى جانب كل الجدية التي ستصاحب الزيارة، من المهم التأكيد على أنّه حتى لو تم التوصّل إلى مسودة خطة، فلن يكون تحالفاً دفاعياً رسمياً، طالما أنّه لا يوجد تقدم في التسوية السياسية مع الفلسطينيين. وطالما سلمان هو الملك”.