رسالة شباب الخليج العربي لكأس العالم
مهنا الحبيل
مثّل موقف الدوحة الاجتماعي في الأزمة الخليجية أرضية معالجة مهمة لكل دول المنطقة ما بعد المصالحة، وهذا لا يعني غفلتنا عن بقاء بعض الخلافات أو الصراعات الإعلامية بين بعض الأطراف، فهذا مرصود.
غير أن التعامل القطري الذي انفتح على الشعوب الخليجية وقت الأزمة ولم يتعامل بالمثل سهّل مساحة ما بعد المصالحة وخاصة بفتح الأبواب للأرحام في زيارة قطر، والالتقاء بأهليهم وذويهم، والذي خفف صلف تلك السنوات الصعبة، وإن بقيت المرارة قائمة حين يُستذكر الراحلون، أو مناسبات الأفراح والميلاد والمرض والتشافي التي مرت خلال تلك الأيام.
ولذلك يتحمس الشباب اليوم في الخليج العربي لمشاركة أهلهم في قطر في هذه المناسبة، رغم أن مبيعات التذاكر تخضع لبرنامج تسويق عالمي إلكتروني، فمسألة الحضور في المباريات من عدمه، يخضع للحصول على فرصة شراء، لكن ما أعنيه هنا ليس محتكراً في سور الملعب ومشهده الاجتماعي الرياضي، ولكنه الزاوية الكبرى للقاء الوفود العالمية في الدوحة أو في المدن الخليجية الأخرى، التي اتفقت مع دولها اللجنة العليا للمشاريع والإرث وهي المنظمة المؤسسة والمساندة لبنية الحدث الضخم.
وهو وضعٌ يشمل استضافة الملايين من جمهور كأس العالم، في الدوحة وفي مدن أخرى، فالرسالة هنا عما هي الفكرة المتشكلة عند أولئك الجمهور عند عودتهم، كيف يُقدّم الشاب العربي المسلم في الخليج ذاته هنا، هل هو فردٌ من جوقة شبابٍ للهو، أو هو عضو في مجتمع تتحد فيه الثلاثية التي ينتظم فيها أهل الخليج العربي: الأرض العربية التي خَلق الإسلام في شعوبها ميلادا جديدا، وهم العرب الذين توارثوا هذه الأرض أو هاجروا إليها في صلف من العيش والكفاح، من قبل رحلة اللؤلؤ الصعبة وبعده حتى النفط، ونجحت فيهم شخصيات علمية وثقافية وتقدموا في التعليم شباباً وشابات وآمنوا بالإسلام كرسالة حياة. القيم التي تنعكس على الشباب في مفاهيمهم في ظل العولمة المتصحرة روحياً عن أخلاق هذا المجتمع وعن مفاهيمه عن الأسرة والحياة المدنية والإحسان واحتواء المختلف، دون التخلي عن مفاهيمه الفكرية التي جاءت بها رسالة الإسلام.
أنطلقُ هنا من موقع المبادرة لا مقعد ردة الفعل على الأفكار العديدة التي سيأتي بها الجمهور المختلف، وهناك تحيّز غربي ضد الغالبية العالمية للشعوب في المفاهيم، وعسف الأمم على قناعات سلوك نمطي غربية مع الأسف، تُسيطر على المؤسسات الإعلامية الدولية في المناسبات الكبرى، في حين تُهمل القيم المشتركة لسكان الأرض، وخاصةً في قضايا العائلة والأسرة الفطرية.
هنا أشير للشباب بأن نموذجك الفردي، أخلاقك.. سلوكك.. حسن تعاملك، ثقتك برسالة المسلم الشاب القيمي، وليس المسلم المتفاخر بعنجهية أو بضجيج عاطفي، سوف تُمثل شراكة في هذا الموسم، كافحوا لتكون أخلاقكم منضبطة سامية كصفوف صلاتكم، وأملؤا بعض الفراغ الذي تستشعرون به، إن كان ينقصكم فهم الفكر الأخلاقي للإسلام، ودور نظرياته في إنقاذ العالم من الأسرة الصغيرة، حتى الكون المهدد بالأسلحة النووية وبتدمير البيئة، بأمثلة بسيطة تقوّى بها حجتكم، لا تجمد أيتها الشابة – الشاب النبيل كمقعدٍ لإجابة الآخرين وتشكيكهم، تنتظر السؤال بعد السؤال، بل اعرض حججك كإنسان له قناعته في هذه الحياة.
هناك الكثير مما يُمكن أن يُحدثه شباب الخليج العربي، في الفكرة عنهم وعن أرضهم وتاريخها الرسالي القديم، وهم هنا يشتركون مع الأشقاء العرب مقيمين وزائرين، ومع آسيا ومع أفريقيا بل ومع كل العالم، لكنني انبه بضرورة أن يكون الاهتمام شاملاً لوفود افريقيا وآسيا، وأميركا اللاتينية والكاريبي وغيرهم.
وألا تقف الفكرة عند الشعوب الغربية فقط، التي نحترمها أيضاً ونتعامل معها بذات الأخلاق والثقافة، المهم أن ندرب الذات ونصقل المجتمع، ونُعزّز الجسور في رسالة التسامي ووحدة التعامل فوق كل عنصرية، متخذين من النبراس القرآني المقدس دستورنا السلوكي الذي جاء لإنقاذ العالم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).