“خبراء” يحذّرون من مصير سيء لـ (ذا لاين).. هذه نماذج دولية فشلت
ما زالت تتوالى ردود الأفعال حول إمكانية تطبيق تصاميم مدينة “ذا لاين” على أرض الواقع، في عديد من وسائل إعلام دولية تحدث إليها خبراء مستدلين عن فشل نماذج مشابهة في دول العالم.
البداية من صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية التي قالت إن الصورة المعمارية للمشروع “باهتة إلى حد ما”، إذ إن الكثير من تصميماته أقدم مما يعتقد البعض.
وأفادت أن فكرة “ذا لاين” تتشابه مع تصميم ظهر عام 1965، للمهندسين الأميركيين مايكل جريفز وبيتر آيزنمان، تضمنت رؤيتهما إنشاء مدينة خطية، ممتدة على طول الساحل الشرقي (للولايات المتحدة) من بوسطن إلى واشنطن.
وأضافت: “ركزت الصورة بشكل خاص على امتداد 35 كيلومترا في نيوجيرسي. ودعت خططهم إلى بناء ضخم يتألف من صرحين عملاقين متشابهين – أحدهما للصناعة والآخر للإسكان والمكاتب والمتاجر”.
والأسبوع الماضي، كشف ولي العهد السعودي تصميمات مدينة “ذا لاين”، بمشروع نيوم الضخم بشمال غرب المملكة.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية (واس)، تتمحور المدينة حول الإنسان، وتمثل نموذجاً عالمياً رائداً يحقق الاستدامة ومثالية العيش بالتناغم مع الطبيعة.
وتعكس تصاميم “ذا لاين” بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، وتسهم في المحافظة على 95 بالمئة من أراضي نيوم للطبيعة، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100 بالمئة لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلا من أولوية النقل والبنية التحتية كما في المدن التقليدية.
ومن أهم مواصفات مدينة “ذا لاين” أن عرضها يبلغ 200 متر فقط على امتداد 170 كيلو مترا وارتفاعٍ يبلغ 500 متر فوق سطح البحر. وستُبنى المدينة على مساحة لا تتجاوز 34 كيلو متراً مربعاً وستتسع لنحو 9 ملايين نسمة، وهو أمر غير مسبوق تماماً في مدنٍ بهذا الحجم، بحسب “واس”.
صحيفة “هآرتس” أشارت إلى أن المشروع الجديد يدعو أيضا إلى التفكير في تصميم المسبح العائم من السبعينيات والذي ظهر في كتاب المهندس المعماري، ريم كولهاس، (Delirious New York) الذي يشبه كتلة مانهاتن الطويلة التي لا نهاية لها والتي لا معنى لها”.
وقالت: “ربما كان الإلهام الأكثر أهمية للمشروع الجديد من مجموعة سوبر ستوديو الإيطالية التي عرضت في معرض 1972 في متحف الفن الحديث سلسلة من الصور لهياكل ضخمة متراكبة على مواقع طبيعية شهيرة وأيضًا في مدينة نيويورك نفسها، باعتبارها الاحتجاج على الاتجاهات المعمارية المعاصرة. كانت صور الهياكل التي أنشأها سوبر ستوديو تحتوي على واجهات محكمة الإغلاق وسلسة تشبه مرايا ذا لاين كما يتصورها السعوديون”.
وتطرقت الصحيفة أيضا لجدوى بناء مدينة من الصفر بدلا من التركيز على تطوير العاصمة الرياض وجعلها مدينة بلا انبعاثات كربونية.
وقال إلياهو كيلر، مهندس معماري ومؤرخ يعمل كمنسق لدراسات التاريخ ونظرية العمارة بكلية سامي شمعون للهندسة الإسرائيلية، “لا أعتقد أن (السعوديين) يفهمون مدى إشكالية اقتراحهم، وأعتقد أنهم يتجاهلون الأسئلة المهمة والجادة جدا في قلب المشروع”.
وتابع: “خلف ذلك هناك إيمان أعمى بقدرة التكنولوجيا على حل مشاكل البشرية. هذه صور تتناسب مع المفهوم الشائع لما يجب أن يكون عليه المستقبل – لامع مليء بالنيون. إنها لا تثير حتى السؤال عن سبب ذهابهم إلى هذا المكان أو إلى الصحراء أو ما هو نوع المجتمع المفترض أن يكون هناك، أو أي نوع من الحكومة ستكون ومن الذي سيبني هذا المشروع”.
يقول كيلر: “في العقود الأخيرة، تعلمنا أنه من الصعب إنشاء مكان جديد من الصفر. المدن التي تم بناؤها حول العالم وفي إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، تعمل بشكل أقل جودة من المدن التي كانت موجودة لفترة أطول بكثير. نظريات الحداثة قبل وبعد الحرب دعونا نتخلص من باريس ونبني ناطحات سحاب وطرق إنها غير مجدية”.
وأضاف: “لا يوجد سبب للذهاب وبناء مدينة جديدة كهذه. بدلا من ذلك، يجب بذل الجهد والتفكير والموارد في معرفة كيفية تحويل الرياض إلى مدينة خالية من الانبعاثات والسيارات”، مردفا: “ليست هناك حاجة للبدء من الصفر”.
وقال “إن التفكير القائل بإمكانية بناء مدينة جديدة من الصفر هو بالضبط ما أدى إلى الوضع الحالي – مناطق الضواحي حيث يعتمد الناس اعتمادًا تامًا على امتلاك سياراتهم الخاصة حيث يتعين عليك ركوب السيارة فقط لشراء الحليب. يجب أن تركز الجهود المبذولة لمواجهة تحديات أزمة المناخ على تحسين مدننا الحالية، وليس على إنشاء مدن جديدة”.
وقال محمد بن سلمان في الإعلان الأخير: “عند إطلاقنا “ذا لاين”، وعدنا بإعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية من خلال تطوير مجتمعات يكون الإنسان محورها الرئيسي، واليوم “ذا لاين” تحقق مثالية العيش وتعالج التحديات الملحة التي تواجه البشرية. هذه التصاميم الاستثنائية توضح الهيكل الداخلي للمدينة متعددة الطبقات وتعالج إشكاليات المدن الأفقية التقليدية المنبسطة، محققة بذلك التناغم التام بين التنمية الحضرية والحفاظ على الطبيعة بكل مواردها”.
وفي عمود بموقع وكالة “بلومبيرغ”، قال الكاتب المتخصص في شؤون الطاقة والسلع، ديفيد فيكلينغ، إن “كل شيء عن مدينة نيوم يبدو خياليا”.
وأشار إلى أن البيانات المالية لنيوم مبالغ فيها. وقال الأمير محمد بن سلمان للصحفيين في جدة هذا الأسبوع إن المرحلة الأولى من المشروع حتى عام 2030 ستكلف 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار) نصف هذا المبلغ يقدمه صندوق الاستثمارات العامة – صندوق الثروة السيادي السعودي.
وبحلول عام 2030، يتوقع أن يعيش حوالي 1.5 مليون شخص في ناطحات سحاب توأم أفقية والتي تعرف بـ “ذا لاين”.
ويقارن الكاتب مشروع “ذا لاين” بشركة العقارات الصينية العملاقة “إيفرغراند” التي واجهت في نهاية المطاف مصاعب مالية.
وقال إن وعود أن تصبح نيوم موطنا لـ 10 ملايين شخص تبقى متواضعة أمام ما تفخر به “إيفرغراند” التي تضم استثماراتها 12 مليون شخص.
وبلغ التدفق النقدي الاستثماري لشركة “إيفرغراند” بعد تصفية الاستثمارات 605 مليار يوان (89 مليار دولار) منذ عام 2010، أي حوالي 28 بالمئة فقط من ميزانية نيوم.
وبالنظر إلى مستويات الدخل وتكاليف البناء في الصين كانت حوالي 40 بالمئة من السعودية على مدى العقد الماضي، فإن هذا يشير إلى ميزانية صينية سخية، ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقع، طبقا للكاتب.
وقال فيكلينغ إن “الدرس الذي يجب أن تستخلصه المملكة العربية السعودية من إيفرغراند هو أن تطوير البنية التحتية والممتلكات يعمل بشكل أفضل عندما يكون ذلك باتباع الناس، بدلا من محاولة قيادتهم”.
وتابع: “ستستفيد المملكة أكثر بكثير من شبكات المترو التي يتم بناؤها في الرياض ومكة والمدينة وجدة ومن خطوط السكك الحديدية عبر البلاد التي تأخرت طويلا”.