تماسك الاقتصاد السعودي في ظل الأزمات العالمية
خالد المطرفي
“تماسك الاقتصاد السعودي ومتانة قوته”، هو اختصار للحيثيات التي جاءت في “البيان التمهيدي” الصادر عن خبراء صندوق النقد الدولي في ختام زيارة مشاورات المادة الرابعة مع المملكة لعام 2022″.
وقبل الدخول في سياقات المقال، من المهم تحديد المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، التي تنص على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء التي تتم في العادة على أساس سنوي، ويقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد، وبعد العودة إلى مقر الصندوق، يُعِد الخبراء تقريرًا يشكل أساسًا لمناقشات المجلس التنفيذي في هذا الخصوص.
أبرز ما تمخض عن “البيان التمهيدي” هو تأكيد قوة الاقتصاد السعودي، في ظل تصاعد الاضطرابات الاقتصادية والغذائية؛ وذلك بسبب سلاسل الإمداد وتبعات جائحة كورونا، فضلًا عن الأوضاع الجيوسياسية التي يمر بها العالم، وهنا أشير إلى قضية مهمة، أفصح عن التقرير نصًا: “التداعيات المباشرة على المملكة من الحرب في أوكرانيا تكاد لا تذكر، خاصة مع تأثير الحرب على ارتفاع أسعار النفط، وتجاوز التوقعات السابقة بشكل كبير على المدى المتوسط”.
وبعيدًا عن الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن تعافي الاقتصاد السعودي لم يكن ليحدث إلا بفضل الله تعالى، ثم بفضل رؤية المملكة 2030، التي ساعدت الحكومة على وضع إطار عام لإدارة السياسة المالية بصورة تفاعلية غير ساكنة؛ ما أسهم في الحفاظ على الاستقرار المالي على الرغم من التطورات المتسارعة في الاقتصاد العالمي. وما دفع الاقتصاد للتماسك هو عمل الحكومة المستمر على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية التي تهدف إلى تغيير شامل وكلي للاقتصاد السعودي لإحداث نقلة تنموية كبيرة على المديين المتوسط والطويل، من خلال إطلاق مجموعة برامج محورية هي: برنامج الاستدامة المالي، وبرنامج تطوير القطاع المالي، وبرنامج تطوير صندوق الاستثمارات العامة.
انعكاس الرؤية الإيجابية على الاقتصاد السعودي جاء بفعل الخطوات الحكومية في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، والذي وصل في السنوات الأربع الماضية إلى 12.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى تطوير إدارة المالية العامة، وتحسين نظم المشتريات الحكومية، وأتمتة وتسهيل الإجراءات الحكومية أمام القطاع الخاص، والتقدم في برامج التخصيص وزيادة مشاركة القطاع الخاص، والعمل على تعزيز الشفافية والإفصاح المالي بشكل مستمر، وتهيئة البنية التحتية الرقمية لتطوير منظومة اقتصاد المعرفة.
اليوم تقوم أولويات السياسات المالية السعودية على تنويع الاقتصاد، والالتزام بالانضباط المالي لتجنب مسار التقلبات الدورية المرتبطة بدورات الازدهار والكساد السابقة المدفوعة بالنفط، وتعزيز أدوار صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني، وبقية الصناديق التنموية؛ لتنويع القاعدة الاستثمارية، ودعم الاقتصاد الوطني، وتحريك عجلة نموه الاقتصادية.
هناك مفصل محوري لا يمكن تجاهله في هذا الإطار، وهو إسهام الرؤية في إعادة هيكلة إعداد الميزانية العامة، ورفع كفاءة تحقيق الإنفاق الحكومي، حيث استطاعت هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية (اكسبرو) تحقيق وفورات خلال السنوات الماضية تزيد على 540 مليار ريال، أعيد توجيهها في مصروفات لها أولوية لخدمة المواطن والمقيم، كما أسهم العمل المتكامل والمنظم للبنك المركزي السعودي في إدارة السياسات ومتابعتها والرقابة عليها، وانعكس ذلك على ثبات الأداء المالي وتسارع أدائه، وهو ما يؤكد على قوة السياسة المالية والنقدية لبلادنا التي أثبتت متانتها أمام التغيرات، وعززت من ثقة المستثمرين والقطاع الخاص.. دمتم بخير.