بن سلمان.. أصداء ما بعد “الزيارة الخاطفة” لـ (تركيا)
شكّلت زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى العاصمة أنقرة، الأربعاء، ولقاؤه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان أحدث محطة على صعيد إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، واللذان توترت علاقاتهما منذ سنوات، إثر عدة ملفات، على رأسها قضية مقتل الصحفي، جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وانتهت هذه الزيارة الخاطفة ببيان مشترك، أشار إلى “بدء حقبة جديدة” من التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية.
ورغم أن البيان تطرق إلى الكثير من العلاقات المشتركة التي تربط أنقرة بالرياض، إلا أنه لم يتضمن الإعلان عن توقيع أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، كما حصل مؤخرا في الزيارات التي شهدتها أنقرة، وخاصة عندما وصل إليها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، أواخر العام الماضي.
واحتوى مضمونه على عبارات من قبيل: “الاتفاق على تفعيل، الاتفاق على أهمية، الاتفاق على ضرورة تطوير الشراكات، على عزم تحسين التعاون، تعميق التشاور والتعاون في القضايا الإقليمية”.
وبينما يرى مراقبون سعوديون أن البيان صيغ “بواقعية وعقلانية بعيدا عن تحميل الأمور بما تحتمل”، أكد آخرون أتراك على ذلك، وتحدثوا أن “إعلان الاتفاق” سيكون في المرحلة اللاحقة، وأن ما حصل الأربعاء هو عبارة عن “محطة أولى وليست نهائية”.
كيف تعاطى الجانبان؟
حتى الخميس تصدر وصول محمد بن سلمان إلى أنقرة تقارير وسائل الإعلام التركية وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام السعودية، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من كلا البلدين.
إعلاميا. كان لافتا التسجيلات المصورة التي نشرها المستخدمون عبر موقع التواصل “تويتر”، أولا في أثناء استقبال إردوغان لولي العهد في القصر الرئاسي، ومن ثم خلال مأدبة العشاء التي عقدت على شرف الوصول.
وبينما كان الاستقبال رسميا وعلى أرفع المستويات، لاقى التسجيل المتعلق بأجواء مأدبة العشاء تفاعلا لدى الأوساط السعودية، حيث بدا محمد بن سلمان وبجانبه إردوغان على طاولة واحدة، فيما يردد مغنٍ تركي أغنية “هذا السعودي فوق فوق”، والتي تشيد كلماتها بولي عهد السعودية بالتحديد.
في المقابل حظيت الزيارة وبما سيكون بعدها اهتمام وسائل إعلام تركية، حيث نشرت سلسلة تقارير تحدثت فيها وعلى الخصوص عن “المتوقع اقتصاديا”.
ونقلت وسائل إعلام مقربة من الحكومة عن وزير المالية نور الدين نباتي قوله إنه “بحث مع الوفد السعودي المرافق لبن سلمان تسهيل العلاقات التجارية الثنائية والتنمية المستدامة وتقييم فرص الاستثمار”.
من جانبها ذكرت وكالة “الأناضول” أن “شركة يشار القابضة” التركية وقعت اتفاقية للاستثمار في المملكة العربية السعودية.
ونقلت عن رئيسة مجلس الشركة القابضة، فيحان يشار قولها: “المملكة سوق كبيرة للغاية. قد تشمل هذه الاتفاقية منشأة إنتاج أو خطوط أعمال أخرى”.
وتحدثت يشار أن شركتها “تهدف إلى الوصول إلى السوق السعودية بشكل أسرع وبتكلفة أقل”، مشيرةً إلى أنها تخطط لعقد اجتماع في أغسطس لتعزيز العلاقات بين البلدين.
بدوره اعتبر رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية(DEIK)، نيل أولباك أن زيارة محمد بن سلمان إلى أنقرة “مهمة للغاية. جاء إلى تركيا بوفد من 35 ممثلا لشركات رائدة من بلاده”.
وأضاف، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “دنيا” الاقتصادية الخميس: “في المحادثات التي أجريناها مع الوفد السعودي تحدثنا عن تعويض الماضي، وسألنا كيف يمكننا المضي قدما؟”.
وكان “محتوى الزيارة ودفء الرسائل مهمين للغاية”، بحسب أولباك.
وتابع: “في العادة، نطرح مشاريع المملكة العربية السعودية ونقول إننا نريد الحصول على نصيب منها، لكنهم قدموا الآن عرضا قبل حتى أن نقول ذلك. لدينا مشاريع يتم التعبير عنها بتريليونات الدولارات”.
وأعرب المسؤول أن زيارة “القادة (إردوغان وبن سلمان) ستمهّد الطريق لنا”، مشيرا: “أعتقد أننا سنصل إلى حجم تجارة متبادلة يبلغ 10 مليارات دولار في عام 2023، طالما أن طريقنا واضح والإرادة السياسية في المنتصف”.
“نافذة جديدة”
يرى المستشار السابق لدى الخارجية السعودية، سالم اليامي أن الزيارة “تعد نافذة جديدة للعلاقات السعودية التركية”، وأنه “يجب أن نعرف أن العلاقات بين الجانبين علاقات مهمة وتاريخية وتشمل معظم أوجه التعاون الدولي”.
ويقول اليامي لموقع “الحرة”: “ما حدث هو انطلاقة جديدة لهذه المسارات، بعد تجاوز مجموعة من الظروف، التي أدت إلى دخول العلاقات في منطقة الظل”.
ويضيف: “العلاقات السعودية التركية في الدائرة الأولى هي لمصلحة الجانبين، وأعتقد أن عناصر جديدة ستنشأ في هذه العلاقات، منها التعاون العسكري والأمني. في المحصلة النهائية أرى أن تعزيز هذه العلاقات واستمرارها ودعمها سيكون رافدا مهما الأمن واستقرار في الإقليم”.
من جهته اعتبر مدير معهد “إسطنبول للفكر”، باكير أتاجان أن الزيارة تفتح “الأبواب أمام تحالفات جديدة”.
ويقول أتاجان لموقع “الحرة”: “خلال الأشهر القادمة سوف تتبلور جميع الأمور. صحيح أنه لم يتم التوصل إلى نتائج 100 بالمئة، إلا أن النقاش سيتطور إلى اتفاقيات مالية وتجارية وعسكرية لاحقا”.
“الزيارة كانت ثنائية شكلية لتفاهمات أولية وليست نهائية. ما يجري جس نبض بين الدول”، وفق أتاجان.
“خارطة طريق”
في غضون ذلك اعتبر الكاتب والصحفي التركي، محمد آجات أنه “من المتوقع رفع بعض عمليات الحظر السعودية على المنتجات التركية، واتخاذ خطوات لإحياء العلاقات الاقتصادية”.
ويقول آجات: “نحن نعلم أن طريقة التقدم في العلاقات تتم باستخدام خارطة طريق محددة مسبقا. سيتم تطبيقها بشكل متكرر عند التفاوض بشأن مثل هذه الأمور”.
“منذ حوالي شهرين، سمعت تصريحات من مسؤول تركي رفيع مفادها أن عملية تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية ستمضي أيضا في خارطة طريق متفق عليها”.
ويتابع آجات: “من المحتمل أن تستمر هذه العملية في المرحلة المقبلة”.
هل البيان “فضفاض”؟
وبلغ حجم التجارة بين تركيا والسعودية حوالي 5.6 مليار دولار في عام 2015 قبل المشكلات الدبلوماسية.
ومع قرار الحظر السعودي، غير الرسمي، على المنتجات التركية في الربع الأخير من عام 2020، حدث انخفاض كبير في الصادرات إلى هذا البلد.
وتشير إحصائيات رسمية حديثة نشرها موقع التلفزيون الحكومي”trt” إلى أن تركيا باعت منتجات بقيمة 2.4 مليار دولار تقريبا إلى السعودية عام 2020، لكن هذا الرقم انخفض إلى 215.1 مليون دولار العام الماضي.
وتصدر المملكة العربية السعودية البترول والمنتجات الكيماوية إلى تركيا، بينما تستورد منتجات مختلفة من تركيا، بما في ذلك المنتجات البترولية المصنعة واللوحات الكهربائية وحديد التسليح والأثاث.
المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي اعتبر أن “الاقتصاد سيقود العلاقات السعودية التركية إلى آفاق أعمق وأرحب وأوسع، على مبدأ سيادة البلدين واحترامهما”.
ويقول لموقع “الحرة”: “نحن على أعتاب مرحلة جديدة. الآن طبّعت العلاقات من الزيارة وفتحت الحدود والسياحة بين البلدين”.
ويتوقع آل عاتي أن “تشهد العلاقات طفرة في كل مناحي الحياة، وسنشهد تزايد الوفود التركية لأداء العمرة والحج، في مقابل توافد قوافل السياح السعوديين إلى تركيا”.
وعلاوة على ذلك، يشير المحلل السياسي إلى “قرب زيادة التنسيق السياسي والعسكري والأمني أيضا حيال أمن واستقرار الإقليم”.
وفي تعليقه على البيان المشترك الذي صدر عقب الزيارة، وعما إذا كان “فضفاضا”، أضاف ذات المتحدث أنه “صيغ بلغة واقعية وعقلانية، وكان لافتا فيه التركيز على نقاط مهمة جدا، مثل إعادة التذكير بالعلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين. يبدو أن العلاقات تتأسس من جديد على هذا الأمر”.
“آراء تركية معارضة”
في مقابل الأصداء الإيجابية التي عبّرت عنها الأوساط المقربة من الحكومة التركية بشأن زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة كان هناك أجواء مضادة ومستاءة من جانب أحزاب المعارضة، وأيضا الصحفيين والكتاب الرافضين لسياسيات إردوغان.
الكاتب التركي، باريش سويدان نشر مقالة على موقع “هالك” المعارض، وقال فيها “زيارة محمد بن سلمان لأنقرة لم تسفر عن النتائج المتوقعة، حيث لم يعقد أي مؤتمر صحفي مشترك بعد اجتماع الزعيمين، ولم ترد أنباء عن تبادل العملة”.
ونقلت وكالة “رويترز” قبل يومين عن مسؤول تركي كبير “طلب عدم نشر اسمه” قوله إن الزيارة من المتوقع أن تحقق “تطبيعا كاملا واستعادة فترة ما قبل الأزمة”، وأضاف “حقبة جديدة ستبدأ”.
وعن خط مبادلة عملات محتمل، أشار المسؤول إلى أن “المفاوضات لا تتحرك بالسرعة المطلوبة”، وستتم مناقشتها على انفراد بين الطرفين.
بدوره أضاف الكاتب التركي سويدان: “لماذا يحجم السعوديون عن إعطاء أموال لتركيا؟ لا ندري ماذا طالبوا في المساومة خلف الكواليس”، مشيرا إلى أن الأمر قد تتضح خلفياته خلال المرحلة المقبلة.
لكن وكالة “الأناضول” وفي تقرير لها، الخميس، نقلت عن وزير التجارة التركي، محمد موش قوله إنه “تقرر وضع خارطة طريق لتحديد الأعمال التي يتعين القيام بها في الأشهر الستة المقبلة، ولاسيما تنمية التجارة بين البلدين”.
وكان الوزير موش قد عقد اجتماعا ثنائيا مع نظيره السعودي، ماجد بن عبدالله القصبي، وتم خلاله “الاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها لتطوير التجارة المتبادلة بين البلدين وتسهيلها، وإزالة العوائق أمامها”.
وبحسب الأناضول: “من المتوقع أن تجلب الزيارات المتبادلة بين السعودية وتركيا هيكلا أكثر توازنا للتجارة”.
وأشارت إلى أن شركات المقاولات التركية نفذت 377 مشروعا بقيمة 24.3 مليار دولار في السعودية حتى الآن، وأنه “وبهذه الأرقام، تعد السعودية الدولة السادسة التي تنفذ فيها تركيا معظم المشاريع من حيث القيمة”.
عن موقع “الحرة”