تقارير وتحليلاتمقالات مميزة

بعد زيارته للمملكة.. هل وجّه (بايدن) الضربة القاضية لحقوق الإنسان؟

هي المرة الأولى، التي ربما وجدت نفسها الإدارة الأمريكية في مأزق في الداخل الأمريكي، والسبب إحدى الدول الحليفة، وبعد تخليها عمّا تدعيه في ملف حقوق الإنسان.

وغدت زيارة “جو بايدن” الأخيرة للمملكة، وهو الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، عنواناً لمرحلة جديدة، مفادها أن واشنطن، لن تتمسك بالمبادئ الحقوقية، وأنها قد تتخلى عنها لتلبية مصالحها.

واعتبرت قبضة بايدن وهو يصافح ولي العهد محمد بن سلمان، بأنها كانت الضربة القاضية لملف حقوق الإنسان، بعد الاتهامات الكبيرة لبن سلمان بأنه المتسبب بعديد انتهاكات منها قتل الصحفي “جمال خاشقجي” والذي يحمل الجنسية الأمريكية، وذلك في العام 2018، بقنصلية المملكة في تركيا.

وتم تداول الصورة على نحو كبيرة في دلالة على أنها حملت تناقضاً بين ما كان بايدن يدعيه، من جعل دول تنتهك حقوق الإنسان” دولاً “منبوذة”، وما انتهى إليه من تقديم.

وانحاز بايدن وإدارته للمصالح الأميركية على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، في تكريس للممارسات القمعية والأساليب الملتوية كمبدأ عام لكمّ الأفواه المعارضة في السعودية وغيرها من البلدان، خصوصا الخليج العربي.

ويرى مراقبون بأن بايدن أوجد تشريعاً غير مُعلن لسياسة القمع، إذ عمد وهو الذي رسم لنفسه صورة المدافع الشرس عن حقوق الإنسان منذ توليه سدة الرئاسة، إلى تمرير الحديث عن جريمة مقتل خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده في اسطنبول كرسالة سريعة في لقائه مع بن سلمان.

إذ قال بايدن إن “ما حدث لخاشقجي كان أمراً فظيعاً… قلتُ بوضوح إنّه إذا حدث أمر مماثل مجدّداً، سيكون هناك ردّ وأكثر من ذلك”.

واكتفى الرئيس الأمريكي بهذا القدر، القدر معتبراً أن صفحة الجريمة قد طُويت، والمحاسبة ستكون في حال تكرّرت الحادثة، وهو ما يجعل الاحتمالات مفتوحة لجريمةٍ مشابهة.

 فيما اعتبر وليّ العهد أن “مثل هذه الحادثة تحدث في أيّ مكان من العالم” مذكّراً بأنّ “واشنطن ارتكبت عدداً من الأخطاء كحادثة سجن أبو غريب” في العراق، في إشارة إلى إقدام جنود أميركيين على تعذيب سجناء في سجن عراقي، أثناء الاحتلال الأميركي لبغداد.

التضحية بالمبادئ التي لطالما تغنّى بها بايدن أتت شبه مجانية، إذ يُفترض أن الأخير قدّم تنازلاته مقابل مصالح مع النظام السعودي، على رأسها النفط. علماً أنه حتى الساعة لا ضمانات لمدّ أميركا بالنفط السعودي.

التنازلات أتت نظراً لحاجة بايدن إلى إنتاجٍ أكثر غزارة للنفط من أجل خفض أسعار الوقود المرتفعة، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، التي قد تؤثر على وضع حزبه الديموقراطي في الانتخابات التشريعية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر.

ولكن بعيداً عن ذلك، فإن مقايضة بايدن للقيم الحقوقية بالنفط، ستحمل تداعيات وخيمة على قضية حقوق الإنسان دولياً، ولقد بعث الرئيس الأميركي رسالة إلى الحكام، عن قصدٍ أو من دون قصد، مفادها أن واشنطن لا تتمسك بالمبادئ الحقوقية، وأنها قد تتخلى عنها لتلبية مصالحها. 

(هيومن رايتس واتش) تطرقت للزيارة، من باب الكُلفة الحقوقيّة أيضاً، مذكرة بايدن، بأن عليه الوفاء بوعوده، بشأن حقوق الإنسان والدعوة إلى إطلاق سراح النشطاء والحقوقيين.

جاء ذلك في مقال “آدم كوغل” نائب المدير، في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معلقاً في بداية على الصورة الأيقونة بين بايدن ومحمد بن سلمان، وقال ” تعهّد الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء حملته الانتخابية بـ “نبذ” السعودية بسبب تفشي انتهاكاتها الحقوقية. لكن بعد عامين، ها هو يسلّم على الحاكم الفعلي للسعوديّة بقبضة يده”.

ويرى “كوغل: بأنه مع تخلّي الرئيس بايدن علناً عن وعده بمحاسبة السعودية، لم يعد مُستغربا أن ينظر الكثيرون إلى اجتماع جدّة على أنّه انتصار لولي العهد محمد بن سلمان.

وقال بأن موقف بايدن الجديد يأتي على حساب السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة، وهو أيضا ضربة قاصمة للمعارضين والنشطاء السعوديين المستقلين الذين يطالبون بالمشاركة الجدية بآرائهم في مستقبل بلادهم.

ما المقابل..؟

وفي حديثه باليوم الثاني من رحلته التي استغرقت أربعة أيام إلى الشرق الأوسط، قال “بايدن”، إن تنفير السعوديين سيضر بالمصالح الأمريكية في وقت تخوض فيه الولايات المتحدة صراعًا عالميًا على النفوذ مع موسكو وبكين.

وأشار إلى أن “هناك الكثير من القضايا على المحك، أريد أن أتأكد من أنه يمكننا الاستمرار في القيادة بالمنطقة وعدم خلق فراغ، فراغ تملؤه كل من روسيا والصين”.

انتقد فريد رايان، ناشر صحيفة “واشنطن بوست“، بايدن بسبب ذهابه إلى جدة على ركبة منحنية لمصافحة يد “منبوذة ملطخة بالدماء”، حسب قوله.

وأدان ناشطون حقوقيون السعودية لارتكابها مجموعة متنوعة من الانتهاكات بخلاف مقتل خاشقجي، بما في ذلك قمع وتعذيب المعارضين وشن حرب وحشية في اليمن.

عودة على “استحياء

عادت الإدارة الأمريكية إلى الحديث عن حقوق الإنسان وأن بايدن يعتزم أن يجعل حقوق الإنسان جزءا مهما من العلاقات الثنائية مع السعودية، وذلك بعد أيام من عودته.

جاء ذلك على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، خلال المنتدى الأمني ​​السنوي لمعهد أسبن في كولورادو، وقال بأن بايدن صرح بشكل دائم عن نيته في ضمان أن تصبح حقوق الإنسان جزءا مهما للغاية من العلاقات الأمريكية السعودية.

وأضاف معلقا على زيارة بايدن للسعودية: “في بداية الاجتماع مع ولي العهد محمد بن سلمان، تطرق بايدن إلى مسألة قتل جمال خاشقجي بشكل خاص وإلى قضية حقوق الإنسان بشكل عام، وكشف لولي العهد عن موقف الولايات المتحدة بشكل دقيق”.

وحول وصف بايدن للسعودية بأنها “دولة منبوذة” في 2020، ثم ذهابه لعقد اجتماعات وجها لوجه مع قيادة المملكة، قال سوليفان “لقد حدث الكثير منذ ذلك الوقت”.

زر الذهاب إلى الأعلى