الثورة السورية لم تكن مجرد مواجهة لنظام استبدادي أو محاولة لتحرير الأرض، بل كانت مدرسة كبرى للتحولات الفكرية والتنظيمية. لقد حملت الثورة السورية دروسًا عميقة في الصمود، والإبداع في مواجهة القمع، والقدرة على المراجعة والتطور الفكري. هذه الثورة أصبحت مصدر إلهام للحركات والتيارات الإسلامية، خصوصًا في استيعاب فلسفة المراجعة والتكيف مع متغيرات الواقع.
أبرز النماذج الملهمة في هذا السياق هي تجربة الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، الذي انطلق من خلفية أيديولوجية صارمة (داعش، القاعدة، النصرة) ليخوض تحولات فكرية عميقة تفرضها تعقيدات المشهد السوري. استطاع الجولاني، من خلال هذه المراجعات، أن يتجاوز الجمود الفكري الذي كان يمكن أن يُنهي مشروعه، ليؤكد أن الثبات على المبادئ لا يعني الجمود، وأن المرونة قد تكون مفتاح النجاح في مواجهة التعقيدات.
هذه القصة، بما تحمله من دروس وعِبر، تتجاوز حدود سوريا، وتصل إلى السعودية، حيث تتشابه الظروف في جوانب عديدة. الشباب السعودي، الذي يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، يجد نفسه أمام واقع متحرك مليء بالتناقضات. ما حدث في سوريا، خاصة نجاح الثورة، سيغرس في عقول الأجيال السعودية مفاهيم جديدة حول التغيير، وقدرة الشعوب على كسر القيود، مهما بدت الأنظمة قوية.
تحرير عقول الشباب السعودي
نجاح الثورة السورية وسقوط نظام الأسد يمثلان لحظة فارقة قد تنعكس بعمق على المجتمعات العربية، خاصة في السعودية. ليست الفكرة في التشابه الكامل بين القضيتين، بل في الدروس المستخلصة من قدرة الشعوب على الصمود والمراجعة.
الشباب السعودي اليوم يواجه أزمات تضغط عليه من كل اتجاه:
- اقتصاديًا: تضييق اقتصادي متزايد، بطالة مرتفعة، وتراجع القدرة الشرائية.
- اجتماعيًا: التغيرات المفروضة بالقوة، كالحفلات الصاخبة وسياسات الانفتاح السريع التي تصطدم بالقيم المحافظة.
- سياسيًا: تزايد أعداد المعتقلين وقمع الأصوات المعارضة، مما يعمق الشعور بالعجز والغضب المكتوم.
هذه الأزمات خلقت حالة غليان مكتوم، خاصة بين الفئات المحافظة والشباب، الذين يجدون أنفسهم غرباء في وطنهم، ويدركون أن واقعهم يتناقض مع تطلعاتهم وقيمهم.
كيف سيحدث التأثير؟
1- تغلغل الفكرة في المجتمع السعودي:
نجاح الثورة السورية سيعزز فكرة أن التغيير ممكن، وأن الأنظمة مهما بلغت من القوة لا تستطيع مقاومة صمود الشعوب. هذه القناعة ستشكل وعيًا متجددًا لدى الشباب السعودي، حيث تصبح فكرة التغيير حاضرة بقوة في الوعي الجمعي.
2- استلهام فلسفة المراجعة الفكرية والتنظيمية:
تجربة الجولاني ستُلهم التيارات الفكرية في السعودية، خاصة جيل الصحوة، لتبني نهج أكثر مرونة وواقعية في مواجهة التحديات، مما يزيد من فاعلية هذه التيارات في تحقيق أهدافها.
3- زيادة السخط الشعبي:
- اقتصاديًا: الضغوط الاقتصادية المستمرة ستدفع الشباب إلى التساؤل عن جدوى السياسات الحالية، مما يعمق حالة الإحباط.
- اجتماعيًا: التغيرات المفروضة بقوة ستؤدي إلى شعور متزايد بالغربة داخل المجتمع المحافظ.
- سياسيًا: استمرار القبضة الأمنية وتزايد الاعتقالات السياسية سيولد شعورًا متزايدًا بالغضب المكتوم، الذي قد يتحول إلى تحرك فعلي في المستقبل.
التراكمات طريق التغيير
العشر سنوات القادمة ستكون حاسمة في تشكيل مستقبل السعودية، بناءً على عدة عوامل:
1- الأزمات الاقتصادية والاجتماعية:
الاقتصاد السعودي يواجه تحديات عميقة، من بينها ارتفاع البطالة والاعتماد المفرط على النفط. مع استمرار هذه الأزمات، ستزداد الضغوط على النظام.
2- التحولات الاجتماعية المفروضة بالقوة:
سياسات الانفتاح السريع تصطدم بقيم المجتمع المحافظ، مما يولد شعورًا بالرفض والغضب. هذا الشعور قد يتحول إلى تحرك فعلي خلال السنوات القادمة.
3- تأثير الأجيال القادمة:
الأجيال التي تعيش اليوم تحت ضغط الأزمات والقمع ستقود التغيير في المستقبل، متأثرة بالتجارب الإقليمية، وخاصة الثورة السورية.
4- التفاعل بين الداخل والخارج:
المعارضة في الخارج ستستمر في تعزيز وجودها، مما يزيد من تأثيرها على الداخل، ويجعل السنوات القادمة فترة حاسمة للتغيير ، ويُلهم المعارضة السعودية في الخارج ويعزز لديهم الإيمان بإمكانية التغيير، خاصة إذا تحقق التحرير عبر ثورة شعبية ناجحة أو مشروع سياسي مستقل يثبت أن الأنظمة الاستبدادية ليست منيعة وأن التحولات ممكنة حتى في بيئات شديدة القمع.