توفي الرحالة والداعية والأديب محمد بن ناصر العبودي، اليوم الجمعة، حيث أعلنت أسرته أنه سيصلى عليه بعد صلاة ظهر يوم غد في جامع الجوهرة البابطين بالرياض.
وعقب الإعلان بوفاة الشيخ العبودي، سارع رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتدشين وسم باسم الشيخ الراحل، وبادر العديد من الشخصيات العامة بنعيه سائلين الله له الرحمة والمغفرة، ولأسرته الصبر والسلوان.
وبحسب موقع العربية نت، فإن الشيخ الرحالة الأدب محمد العبودي قد حصل على شخصية العام الثقافية، وهي الجائزة الكبرى التي تكرم من خلالها الوزارة رواد الثقافة في البلاد، حيث امتد عطاؤه الثقافي لمدة 70 عاماً، إلا أن تقدمه بالسن منعه من الحضور لاستلام الجائزة، فحضر ابنه نيابة عنه.
وقال خالد محمد العبودي، “إن هذه الجائزة تعني الكثير له فرغم أنه حصل على جوائز عديدة في الماضي وتم تكريمه في عدة مناسبات إلا أن هذه الجائزة لها وقع خاص لديه، فهي تأتي في إطار احتفالية وطنية ومن قبل وزارة فتية أخذت على عاتقها مؤازرة الثقافة وتشجيع المثقفين، ولا شك أن كل من فاز بفرع من فروع الجائزة ليشعر بالامتنان والفخر، فما بالك بمن فاز بجائزة شخصية العام الثقافية على مستوي المملكة”.
ومبكراً وقبل وجود وسائل الاتصال والإنترنت المساعدة لكثير من الرحالة في الوقت الحالي، بدأ الشيخ محمد العبودي رحلاته المكوكية حول الكرة الأرضية، يقول ابنه خالد إن إفريقيا كانت الوجهة الأولى له في عام 1965م، حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أشهر و17 يوماً لتستمر الرحلة بعد ذلك ويطوف كل بلاد العالم عدا دولتين بينهما كوريا الشمالية.
وكان يحرص الشيخ العبودي على تدوين رحلاته بشكل مستمر، يسجل ملاحظاته على أي بلد يذهب إليه، ليولد كتابه الأول عن إفريقيا باسم “إفريقيا الخضراء”.
امتاز العبودي بأسلوب فريد في سرد القصص والحكايات عن البلاد التي يزورها وهو ما جذب القراء لكتبه. يقول ابنه خالد العبودي: “عمل والدي على توثيق تلك الرحلات في كتب طبعت تباعا تأخذ شكل يوميات يدون فيها ما يرى أو يشاهد ويطعمها بمعلومات إضافية محاولا أن يربط ماضي تلك الدول بتاريخها الإسلامي عن طريق إبراز مسميات أماكنها التي عرفت بها في التراث الإسلامي”.
ويضيف: “شكلت تلك الكتب مجالا تعريفيا لا غنى عنه للمكتبة العربية والتي كانت تفتقر لكتب رحلات ممتدة ومتسعة تغطي أماكن عديدة وأصقاعا نائية. فهذه الكتب بالإضافة إلى أنها أثرت المكتبة العربية إلا أنها أيضا عرفت القارئ العربي بالكثير عن هذه الدول وحفزت المهتمين من الرحالة الشباب على محاكاة أسلوبه في الرحلات والتدوين والاستفادة من طرقه المتعددة في إبراز ما يعتقد أهمية إبرازه في الدول التي يزورها”.
ويعلق على فرادة الأسلوب وسرد الروايات في كتب والده: “ما يميز إنتاجه الأدبي المقارنات التي يعقدها بين ما يراه في دولة معينة وبين ما عاينه في دولة أخرى أو في منطقة أخرى من مناطق العالم سواء كان ذلك متعلقا بالنظام المتبع أو بموقف من مسؤول التقاءه أو تعامل معه كضباط الجوازات الذين يكون من حسن طالعه أو من سوء طالعه أن يتعامل معهم حينما يمر من منافذ برية أو جوية يعملون فيها”.
ولوحظ خلال الأعوام الماضية، اتجاه شباب كثر نحو الترحال والتدوين. سواءً كان الصوتي أو الكتابي، أو حتى بالأسلوب الجديد عبر نشر المهتمين بالترحال قصصهم ومواقفهم على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وأغلب هؤلاء يرون في الشيخ محمد العبودي أسطورة هذا المجال في السعودية، فيحرصون للذهاب إليه والنهل من تجربته ومعرفته التي تراكمت طوال عقود.
خالد العبودي حضر بعض هذه الجلسات بين الرحالة الشباب ووالده ويقول: “إن والده يسهب بشرح طريقته في التوثيق والتي تقوم على نظام صارم اختطه يتمثل في حرصه خلال زياراته المتعددة على تسجيل أسماء الأعلام من أشخاص أو شوارع أو مواقع كالمساجد والجمعيات والمؤسسات الثقافية وغيرها في مفكرة صغيرة أثناء تجواله. أما في المساء وحين يؤوب إلى نزله فإنه يدون حوادث ذلك اليوم مستعينا بمفكرته.
ويكمل: “ولذا فهو لا يعود للوطن إلا ومسودة كتاب الرحلة قد أصبح مكتملا فلا يبقى إلا مراجعته وإضافة معلومات مكملة من شأنها أن تثريه مثل الخلفيات التاريخية لتلك الدول. ونصيحته دائما للشباب هو أن يتمتعوا بدقة الملاحظة وأن يدونوا كل ما يعتقدون أنه مكمل لرسم صورة متكاملة في ذهن المتلقي الذي لم يتسن له زيارة تلك الدول”.
عقود مضت منذ خط الأديب محمد العبودي طريقة نحو عشرات الدول التي زارها. لابد أن هناك مواقف لا تنسى في ذاكرته لكن تعامل الشعب البرازيلي معه ظل عالقاً في ذاكرته إذ يقول ابنه “يذكر كثيرا لطف الشعوب وتعاملها الراقي مع الأجانب ويخص بالذكر الشعب البرازيلي، الذي يشيد بما يشيعه التعامل معهم من ارتياح شخصي ورغبة في مواصلة التجوال دون تحفظ أو عناء غير عناء السفر نفسه والذي يندر أن يشتكي منه”.
كما عايش ما عاناه المسلمون خلال القرن الماضي في دول شيوعية حل بها “أعجب كثيرا بتمسك المسلمين الذين عاشوا في دول جثمت عليها الشيوعية لعقود وكيف استطاعوا أن يحافظوا على التقاليد الإسلامية رغم التضييق عليهم سواء في دول الاتحاد السوفيتي السابق، أو في الصين أو في منطقة البلقان.