“فأما اليتيم فلا تقهر” هكذا بدأت الشرارة التي أشعلت الغضب في المملكة، ككل، غضب لم يستثن أحداً، تضامناً مع يتيمات دار الرعاية الاجتماعية، في محافظة خميس مشيط، التابعة لإمارة عسير، وفي اتجاه آخر مطالبة السلطات بتفسير الأمر، ومحاسبة المعتدين.
بداية الشرارة
أما أول من أشعل الغضب، منتصراً للضحايا، هو من الدار نفسه، “يتيمة” وثقت الجريمة بكل تفاصيلها، بحثاً عن الدعم والمناصرة، ومواصلة لاحتجاجهن من الأوضاع التي يعشنها في الدار، حيث مديرته بدلاً من تحسين معيشتهن، استدعت وحوشاً مفترسة، فأخذت تنهش في أجساد غضة، لفتيات، بعضهن ما زلن طفلات، كما أن الجريمة المكتملة الأركان نالت من كل من كان في الدار، حتى صغار السن.
ونشرت اليتيمة، التي لم تفصح عن اسمها، في تويتر، وقالت “أنا واحدة، من بنات الدار، وأنا من قمت بتحرير واختصار المقاطع التي ستنزل الآن، فأما اليتيم فلا تقهر.
وواصلت حديثها، داعية على من اعتدا عليهن، كما أنه لم يصبها كما أصاب إحدى زميلاتها، التي كانت توثق الجريمة بهاتفها، وفي لحظة انكشفت للجلادين، فنزلوا بها ضرباً وسحباً كما وثقت المقاطع، في وحشية، لم تشاهد ممن قبل في المملكة.
مشاهد رعب
وعند وصف المشاهد المصورة، فهي معركة مكتملة الأركان، تعنيف لفتيات، لا حول ولا قوة لهن، إنها مشاهد رعب، فيها من المطاردة والسحل والضرب، والذي أخذ يمارسه رجال أمن منهم في زي رسمي، كما ظهر آخرون ملثمين بإحكام وفي أيديهم العصي والأحزمة، حيث اختلطت صيحات النجدة، داخل الدار، لكن لا مغيث لليتيمات، وإزاء هذه الهجمة الشرسة عليهن، كان لا بدأ ان يصل للرأي العام وللملك سلمان وولي العهد، كما أرادت ناشرة المقاطع، من أجل التحقيق فيما حصل، كما أن هناك ظلما وفساد تمارسه إدارة الشؤون الاجتماعية، ومسؤولون كبار.
فساد وظلم
وذكرت أن سبب الاعتداء عليهن، هو أنهن طالبن بحقوقهن بالدار وتم الرفض فقمن بالإضراب ضد الفساد والظلم وبسببه جرو التعدي علينا، مع العلم لم نعتدِ على أي من الموجودين وعلى أي موظفة، أيضاً تم التعدي على بعض العاملات والموظفات وفتيات الحضانة.
وقالت “أعرف أن من الممكن نشري للمقاطع يكون خطأ قانونياً والله أعلم، لكن وصلت لهذه المرحلة لأنه قد حصل من قبل لنا وتم السكوت عليه، لازم تصير قضيتنا قضية رأي عام وأن تصل لكبار المسؤولين بالسعودية ويتم التحقيق بوضعنا المزري”، وأضافت” ومستعدة أتحمل أي مسؤوليات تنحط على راسي”.
تصدر الترند
وعقب انتشار الفيديوهات والصور، تصدر هاشتاج “#أيتام_خميس_مشيط” قائمة أبرز الموضوعات التي جرى تفاعل عليها عبر موقع تويتر اليوم الأربعاء.
صدمة للسعوديين
ومثلت المشاهد صدمة للسعوديين، بمختلف مستوياتهم، من صحافيين وقانونيين وأكاديميين وعلماء وغيرهم، في عملية تضامن واسعة، اكتسحت مواقع التواصل، ووصلت إلى كل الوسائل الإعلامية، حتى أن رجال أمن شاركوا في التضامن، كونها سابقة لم تحصل من قبل في المملكة.
منهم “عبدالله الجريوي” الذي قال “جميع فتيات الدار الآن في خطر من قبل رجال الأمن وإدارة الدار والموظفات، وهناك تهديد لكل من قامت بالتوثيق، ويجب التدخل الفوري ومحاسبة كل من قام بالتعدي”.
وقال ” السبب في ذلك يعود لقيام بعض الفتيات بالمطالبة بحقوقهن، وبعد رفض مطالبهن قمن بالإضراب، ما جعل إدارة الدار بطلب التدخل من رجال الأمن، وهذا ما يحدث من قبل (رجال الأمن)”.
إلى ذلك علق سعيد الزهراني ” مهما كانت السبب لا أحد له حق يعتدي بالشكل الهمجي هذا عليهم، والبنات اللي دافعوا عن بعض بالمقطع واللي وثقوا الاعتداء والله أنهم أحرار ما قبلوا بالظلم”.
أما موضي بنت سعود البيشي، فكتبت ” لا حول ولا قوة إلا بالله، مشهد مؤلم لذلك الاعتداء، من سمح لهم بهذا الاعتداء والهمجية والمداهمة والقبض وممارسة العنف على فتيات يتيمات لمجرد المطالبة، بحقوقهن، مهما كان خطا الفتيات لا يبرر لهم هذا الهجوم والاعتداء، وأضافت “بلدنا بلد قانون، ولن تترك حقهن”.
ووصلت بعض الحسابات لأن تتهم رئيس شرطة خميس مشيط، بأنه من يشرف بنفسه على تعذيب اليتيمات الضعيفات، “كلا بل لا تكرمون اليتيم”.
ثقة بولي العهد
في اتجاه آخر أعرب فريق من المعلقين عن ثقته في حكومة ولي العهد السعودي، قائلاً “ما ينظلم أحد دام فيه أمير اسمه محمد بن سلمان وإن شاء الله كلهم راح يتحاسبون في الدنيا قبل الآخرة”، مذكراً بتعهد الأمير سلفاً بالقضاء على الفساد.
كيف تحركت السلطات..؟
ولامتصاص الغضب، وتهدئة الرأي العام، سارعت السلطات إلى إصدار قرارات عاجلة بعد ساعات من انتشار المقاطع الفضيحة، حيث أصدرت النيابة العامة بيانًا عن الحادثة.
ونشرت البيان وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، وفيه “بناء على ما تم رصده من مقاطع فيديو تتضمن حادثة داخل دار التربية الاجتماعية بمحافظة خميس مشيط، فقد باشرت النيابة المختصة في وقت مبكر التحقيق في واقعة إتلاف المال العام في دار التربية الاجتماعية، والقضية ما زالت قيد إجراءات التحقيق”، دون أن يوضح تفاصيل عن واقعة إتلاف المال العام أو المسؤول عنها.
وقال وفقاً لوكالة الأنباء السعودية، بأنه “على ضوء انتشار المحتوى المعلوماتي في وسائل التواصل الاجتماعي باشرت نيابة الجرائم المعلوماتية تحقيقاتها في المحتويات المتداولة”، دون أن يذكر صراحة ما إذا كان المقصود هو التحقيق في مشاهد الاعتداء.
وأكد فيه حرمة إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، وحظر معاملته معاملة مهينة للكرامة”، مشددًا في الوقت ذاته على “حماية المال العام من الجناية والاعتداء”. وأضاف أن النيابة العامة “ماضية في مباشرة إجراءاتها القضائية لحماية المجتمع وحفظ المال العام، ودورها العدلي في رعاية الضمانات المقررة للموقوفين.
إمارة عسير
كما تحركت إمارة منطقة عسير معلنة في بيان لها أن توجيهات صدرت عن أمير المنطقة، تركي بن طلال بن عبدالعزيز، بـ”تشكيل لجنة للوقوف على الحادثة، والتحقيق مع كافة الأطراف، وإحالة القضية لجهة الاختصاص”، وفقا للبيان.
في الوقت نفسه قالت هيئة حقوق الإنسان في السعودية، إنها تتابع الحادثة بـ”اهتمام بالغ” وشكلت فريقا لهذا السبب، وأشارت إلى أنها تعمل مع الجهات المعنية على “معالجة كل ما رصد من ملاحظات”، حسب قولها.
مخالفات قانونية جسيمة
وعن الخروقات القانونية، التي ارتكبها رجال الأمن بحق اليتيمات لفت حساب “المستشار القانوني تركي البلوي” إلى أن المشاهد المتداولة تعكس “مخالفة قوية لنظام الإجراءات الجزائية بموادها 2 و36 و12 و41 و43 و53 و54 وأهمها عدم الضرب امرأة أثناء التحقيق والقبض”، معلناً استعداده “لتمثيل من تضرر من هذا القبض تمثيلاً قانونياً لطلب التعويض أمام القضاء”.