للمرة الأولى منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، تثير خطبة الجمعة بالمسجد الحرام الجدل، والسبب الدعاء على اليهود الغاصبين.
فلو أن خطبة الشيخ صالح بن حميد، كانت قبل أعوام لما تنّبه لها أحد، إلا أن حالة الود والوئام التي تصبغ علاقة حكومة بن سلمان بالكيان الإسرائيلي، والتي وصلت إلى إجراء مفاوضات سرية وأخرى علنية، توجت مؤخراً لأول مرة في تاريخ المملكة بفتح المجال الجوي أمام طيران العدو.
ودعا الشيخ صالج بن حميد، في خطبة الجمعة قبل الماضية، وفي وقت لم يتجاوز 15 ثانية، على اليهود وضمن خطبة مكتوبة على الورق: “اللهم عليك باليهود الغاصبين المُحتلّين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المُجرمين”.
وانتشر مقطع الدعاء على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير وملفت، والذي أعقبه هجوم شرس، فيه مبالغة واضحة من قبل شخصيات عبرية، عبروا عن غضبهم، مهاجمين الشيخ صالح بن حميد.
ووصلت المطالبة الإسرائيلية، في تدوينات “تويتر” من سلطات المملكة إلى اعتقال خطيب الحرم، في سابقة خطيرة، لم تحدث من قبل وهو ما يؤكد حسب متابعين، أن الملفات التي تناقش مع الكيان الإسرائيلي، لم تمس الجوانب السياسية، بل والدينية، ومنها الخطاب الديني.
في المقابل، وجد الشيخ بن حميد، حملة تضامن واسعة، اعتبرت أن الشيخ كان ضحية للمكر السياسي الذي ينتهجه بن سلمان وفريقه على السعوديين والتي تجاول أن تفكيك الثوابت، قبل عرضها على طاولة الصهاينة الغاصبين للمقدسات في فلسطين.
بينما ذهب آخرون، أن ما حدث هو جاء بمرسوم من السلطات، لامتصاص غضب المواطنين المعارضين لتواجد اليهود في المملكة، والذين تمادوا إلى الدخول إلى المشاعر المقدسة، في موسم الحج السابق، وهو ما فجر غضبا في جميع الدول الإسلامية.
كما أنه لا يستبعد بأن الدعاء على اليهود، يأتي ضمن المناورة السياسية، مع الإسرائيليين من أجل ملفات يجري التفاوض عنها، وإيصال رسائل مفادها أن بإمكان المملكة إعادة الأمر إلى المربع الأول من العداء الصريح مع الكيان الإسرائيلي، وأن موجة التطبيع السابقة والتي بدأتها الإمارات والبحرين كانت كلها بضوء أخضر من السلطات السعودية.
ويمكن قراءة ما حدث هو من إعادة الاعتبار لعالم سلطة ومن المنبر الذي سعت السلطات إلى تفريغه من معناه الجامع لقضايا الأمة، من خلال تجييره للخطاب المتسامح “المنبطح” والمهادن في عديد قضايا، ومنها المقدسات وفي أولها الأقصى الشريف.
حيث يواجه علماء السلطة غضباً شعبياً كبيراً للمواقف المواكبة مع توجهات بن سلمان، والتي منها اللقاءات مع يهود، وزاد الغضب في خطبة عرفة الأخيرة والتي كلف بإلقائها الشيخ “إبراهيم العيسى ” المعروف بخطواته ولقاءاته مع اليهود.
وعند العودة إلى مربع معاداة السامية، لا يريدها بن سلمان في الوقت الحالي، كما أنه لا يريد التطبيع بشكل كامل مع إسرائيل، لذا استثمر خطبة الجمعة وفي الحرم المكي، ليبقى في منزلة وسط، وهو تؤكده تصريحاته السابقة، بأنه يرى تل أبيب حليفاً مُحتملاً لبلاده.
وفي وقت سابق قال كل من وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان ووزير الدولة للشؤون الخارجيّة عادل الجبير بأن التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مشروطٌ بتطبيق المبادرة العربيّة، والتي تُعطي للفلسطينيين دولة، وعاصمتها القدس الشرقيّة.
اللغة الجريئة وذات النبرة القوية للشيخ صالح بن حميد جاءت بعد أشهر من لغة مهادنة وتطبيعية في خطبة العيسى، وهو ما فأجا الإسرائيليين وغيرهم من متابعي سياسة المملكة والتي تتبنى عبر بن سلمان مساراً يرضي الغرب.
كما أنها جاءت قبل أيام من تنفيذ إسرائيل لعملية عسكرية على قطاع غزة، والتي ما زالت مستمرة، مستخدمة القصف الجوي، والذي سقط في لحظاته الأولى مدنيون أغلبهم أطفال ونساء، وهي العملية التي تشارك فيها طائرات إماراتية بحسب مصادر إعلامية.
فأرادت السلطات استباق أي انتقاد عربي أو إسلامي بأن العلاقات مع إسرائيل، لم تثمر شيئاً فما زال الدم الفلسطيني ينزف كما أن جيش الاحتلال وحكومته لم يعط أي اعتبار للمملكة وتقاربها الأخير.
وفي حملة مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي أدركت ذلك ومنذ اللحظات الأولى للقصف الإسرائيلي على غزة، أمس الأول اعتبر السعوديون ما يحصل من قتل وإراقة للدماء، هو نتيجة للتطبيع، محملين ما أسموهم بالعملاء كل قطرة دم تسقط.