برحيل “إليزابيث الثانية” (الخميس 8 سبتمبر) بإمكان “المواطن السعودي” في الرياض أو مكة أو أي منطقة ومحافظة سعودية استعراض شريط طويل من الذكريات، يربط بين المملكة والراحلة. ربما منها عنوان النشيد الوطني البريطاني “ليحفظ الله الملكة”، في تداع لما يكنّه السعوديون لملكهم، سواء خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، أو الملوك السابقين.
أكثر من “ملكيتين”!
وعند ذلك علينا استحضار كلمات نشيدنا الوطني والذي فيه “عاش الملك للعلم والوطن”، وهي مظاهر من الارتباط والتشابه، مع كونهما ملكيتين، إلا أن الأمر يتقاطع مع نوعية الحكم في البلدين، فبريطانيا العظمى ملكية دستورية، ولها تأثير على عدد من الدول، ويعود ذلك إلى تاريخها الاستعماري، أما المملكة ففيها نظام مَلكي، يستمد الحكم من مصدري الشريعة الإسلامية “القرآن والسنة” كما أن لها وثيقة صدرت في عام 1992 تعد بمثابة دّستور للبلاد، كما أن للمملكة تأثيراً سياسياً، على مستوى دول العالّم العربي والإسلامي.
وعند الحديث عن الملكة إليزابيث، كونها أشهر ملكة في العالم، كانت تتربع على قمة عرش دولة عريقة لأكثر من 70 عاماً، تعدّ منبعاً للغة الأكثر انتشارا في العالم، إلا أنها كانت أيضاً شاهدة على تحولات كبيرة داخل العائلة الملكية البريطانية، وعلى أحداث تاريخية كبيرة، داخل بريطانيا، وكذلك في العالم. وهو الأمر في المملكة، الدولة المتكئة على تاريخ عظيم، والذي حكمها ويحكمها ملوك عظماء، صنعوا دولة تنافس في كثير مجالات، كما أنها تمتاز بخصائص أخرى تجعلها الأولى عربياً وإسلامياً، وعلى مستوى العالم بما يخص الاقتصاد والثروة.
لذلك كانت المملكة موضع اهتمام دائم لـ “إليزابيث الثانية”، ومن قبل كل الإدارات البريطانية المتعاقبة، علماً أن “إليزابيث” عاصرت كل ملوك السعودية. وعبر فترة حكمها الطويلة التقت بجميعهم، من خلال تبادل الزيارات، أما عنها فقد زارت المملكة مرتين الأولى في العام، 1979، التقت فيها الملك خالد بن عبدالعزيز، بينما كانت الثانية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العام 1998م.
أين ينقطع..؟
ومع أن سلسلة الذكريات والعلاقات تواصلت وفقاً لسياسة البلدين، إلا أنه في الفترة الأخيرة حدثت انقطاعات مع تزايد الانتقادات والاتهامات سواء للحكومة البريطانية أو تلك التي توجه من جماعات الضغط إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تتصل بالجانب الإنساني والحقوقي، وهو الأمر الذي انسحب داخلياً في الترويج أو المطالبة بتنفيذ النموذج البريطاني في الحكم. إلا أن هذه الجزئية قد لا يحبذها الجزء الأغلب من الشعب السعودي، كما أنها تتقاطع مع توجهات الحكومتين، سواء الأمير محمد بن سلمان الذي له سياسته الخاصة، أو سياسة المصالح التي تمضي عليها “لندن” والتي لم تتقاطع كثيراً مع سياسة المملكة الخارجية.
إليزابيث.. النموذج
كما أن هناك ميزات أخرى كانت تميز “إليزابيث” بعيدا عن حكمها الاعتباري هي وأسرتها المالكة، وهي ما تطرق لها الصحفي الشهير “جمال خاشقجي” قبل مقتله، في حادثة ما زالت تداعياتها ماثلة إلى اليوم.
وكتب “خاشقجي” قبل قتله في قنصلية المملكة باسطنبول التركية، مقالاً نصح فيه الأمير محمد بن سلمان شخصياً، الاقتداء بـ “إليزابيث”.
الملكة نفسها تعرضت لانتقادات في أكثر من مرحلة في حياتها لاستمرار لقاءاتها بالحكام العرب، رغم كمّ الانتهاكات الحقوقية في العديد من البلدان التي يحكمونها والاتهامات التي توجه لهم بشكل شخصي.
كما عُرف عنها أنها كانت غير راضية نوعاً ما عن القوانين المتبعة، في المملكة، إلا أنها لا تتبنى ذلك علناً أو أن تسعى إلى أن تفرض آراءها على الحكومات، فقد سجل عنها، تجاهلها منع السعودية للنساء من القيادة في شوارعها، خلال زيارتها في عام 1998 إذ التقت خلالها الملك عبد الله، ورغم معرفتها بهذا القانون، فقد أصرت على أن تقود السيارة التي ستقلهما، وكانت تلك أول مرة تقود فيها سيدة سيارة يركبها الملك عبد الله.
ما الذي تغير..؟
وعند العودة إلى سياسات ولي العهد منذ نصحه باتباع سياسة الملكة إليزابيث، نجد أن آلة القمع مستمرة، وتحجيم بقية الأسرة المالكة ما زال متبعاً، كما أن الاتهامات توزع لأي منتقد للسياسات بأنه لا يحب بلاده السعودية، علماً أن خاشقجي، انتقد تحجيم محمد بن سلمان لآل سعود، مشيراً إلى أن التواضع النسبي لآل سعود الآخرين محل ترحيب، ولكن ربما ينبغي عليه أن يتعلم من الأسرة الملكية في بريطانيا، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان.
وقال إن إليزابيث والأسرة المالكة ككل، اكتسبت مكانة حقيقية واحتراما ونجاحا من خلال التحلي ببعض التواضع، مضيفاً “إذا كان بإمكان محمد بن سلمان الاستماع إلى منتقديه والاعتراف بأنهم يحبون بلادهم أيضا، فيمكنه في الواقع أن يعزز سلطته”.
لعبة “العروش”
ومن بين نصائح “خاشقجي” بأنه إذا كان ولي العهد يستعد لتقليص بيت آل سعود ويقضي على التنافسات التي تشبه لعبة العروش، فهو يسير في الطريق الصحيح، لكن يجب أن لا ينسى قيمة هؤلاء الكبار الحكماء مثل الأمير تركي الفيصل فقد تساعد مهاراته الناضجة على حل أزمة اليمن، كما أن عليه التعلم من “بيت وندسور” هو الاستماع إلى الناس “ما يمس الجميع يجب أن يؤيده الجميع”، وقد عززت إليزابيث الثانية مكانتها في عدة مناسبات حيث أحنت رأسها للانتقادات العامة، ولا سيما بعد وفاة الأميرة ديانا في عام 1997.
حكومة المحافظين
وفي الوقت الذي لم يسع فيه الأمير محمد بن سلمان بالأخذ بنصائح “خاشقجي” وجد دعماً في أروقة السياسة البريطانية، رغم المعارضة الكبيرة لسياسته الداخلية وفيما يتعلق بملف الحرب في اليمن، والتي توجه ضمن الانتقاد لحكومة بلادهم، عن دعمها بالسلاح للسعودية، فحكومة المحافظين مستمرة في هذا الدعم للأمير محمد بن سلمان، سواء من “بوريس جونسون” الذي أنهى عهده في رئاسة الوزراء، بتوقيع مذكرة التفاهم الخاصة بتشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجي بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، بالتوقيع مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
كما تواصل الدعم بعد استقالة “بوريس جونسون” الذي كان في زيارة قبل أشهر للمملكة وعاد باتفاقات عدة منها الاستقرار سوق الطاقة، تواصل مع رئيسة الوزراء الجديدة، “ليز تروس” والتي دافعت مؤخراً عن ولي العهد محمد بن سلمان في قضية “جمال خاشقجي”، القضية التي ما زالت شبحاً يطارد الأمير إلا أنه يتوارى عند صناع القرار في بريطانيا أو غيرها.
تشارلز “العربي”
في زيارته الرسمية للندن، (2018) حظي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باحتفاء كبير، كسرت فيه بروتكولات الاستقبال، إذ رفعت صور الأمير على لوحات إعلانية، تتحدث باعتباره إصلاحيا يعمل على انفتاح بلاده على العالم الخارجي.
وجاء الاستقبال والاحتفاء حينها وسط أصوات بريطانية منددة حينها بالملف الإنساني لولي العهد، منها لأعضاء في مجلس العموم، وهو ما سيعطي توقعاً مفاده أن العلاقات ستتحسن أكثر في عهد الملك الجديد، الذي له ارتباط والسعودية التي زارها 9 مرات.
كما أطلق عليه “تشارليز العربي” بعد ارتدائه زي العرضة السعودية، حين كان ضيف المملكة العربية السعودية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية 29″، وشارك في العرضة السعودية، وعدد من الأمراء.