ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية في تحقيق خاص أن أشهر تطبيق إلكتروني للبيع والشراء داخل السعودية يشهد الكثير من حالات الاتجار بالبشر.
وأشارت الصحيفة إلى أن تطبيق وموقع “الحراج” الإلكتروني الذي يعتبر أكبر سوق عبر الإنترنت في المملكة يشهد كل يوم نشر عشرات الإعلانات من قبل المواطنين السعوديين للإعلان عن بيع وتأجير خدمات عمالة منزلية تتضمن خادمات ومربيات وسائقين وعمال حدائق وغيرها.
وتواصلت مع هيئة حقوق الإنسان في المملكة للحصول على تعقيب دون أن تحظى به حتى موعد النشر.
ونبهت الصحيفة إلى أنها اطلعت على 200 من هذه الإعلانات، وأن عمليات مزايدة تجري في الموقع للحصول على أكبر سعر ممكن.
ولا يزال التطبيق، الذي حظي بـ “2.5” مليون زيارة خلال العام الماضي متاحًا على متاجر آبل وغوغل بلاي على الرغم من انتقاده من قبل المقررين الخاصين للأمم المتحدة في العام 2020 بحجة “تسهيل العبودية الحديثة”.
وفي المملكة العربية السعودية، التي تضم ثالث أكبر عدد من العمالة المهاجرة في العالم، يستطيع العمال الأجانب العيش والعمل من خلال نظام الكفالة، حيث يكون المواطن السعودي المعروف باسم “الكفيل” مسؤولاً عن العامل في الكثير من النواحي المهنية والشخصية.
وكانت الرياض قد أعلنت في مارس من العام الماضي، وضمن رؤية “2030” التي يقودها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أنها باشرت في اتخاذ خطوات عملية نحو إنهاء نظام الكفالة بما يمنح العمال المغتربين الكثير من الحقوق مثل إمكانية تغيير العمل وفتح حساب مصرفي ومغادرة البلاد بدون إذن الكفيل.
ولكن تلك التغييرات استثنت حتى الآن بعض المهن ولاسيما تلك المتعلقة بالعمالة المنزلية، وبالتالي لا يزال الكفيل لديه صلاحيات كبيرة قد يستغلها للإساءة إلى أولئك العمال والذين يقدر عددهم بنحو 4 ملايين عامل وعاملة.
“العمل دون راحة“
وقد اعترف ناشرو الإعلانات على تطبيق “الحراج”الذين تحدثوا للمراسل السري لصحيفة “التايمز” بأنهم احتجزوا جوازات سفر العمال المنزليين، وأقر اثنان منهم بأنهم “يأدبون” العمالة لديهم بالعنف الجسدي إذا “قصروا في واجباتهم”.
وقال العشرات من “الكفلاء” إنهم يتوقعون أن تعمل الخادمات ليلًا ونهارًا دون فترات راحة مقابل أقل من 23 ريالا سعوديا في اليوم أي ما يعادل 6 دولارات أميركية تقريبا.
وفي حديثها للمراسل السري للصحيفة الذي زعم أنه يبحث عن خادمة، قالت نورا، وهي ربة منزل تقيم في الرياض، إن خادمتها الأوغندية البالغة من العمر 23 عاما سوف تعمل ليلا ونهار دون كلل أو ملل في حال أراد شراء خدماتها مقابل نحو 16 ألف ريال سعودي (4254 دولار أميركي تقريبا).
وقالت نورا -وهي تداعب نظاراتها الشمسية الفاخرة- وهي تتوق إلى عقد صفقة سريعة: “إذا ارتكبت (الخادمة) أي خطأ فيمكنك حبسها في غرفتها ومعاقبتها”، مضيفة: “يمكنني إحضارها إلى منزلك الليلة، وفي حال كنت تنوي الاستفادة منها بنظام الإيجار فلا مانع من ذلك، ولكن عليك أن تخبرني الآن، لأنه وبحلول الغد سيكون شخص آخر قد حصل عليها”.
وعندما سُئلت عن سبب بيع خادمتها، قالت نورا: “إنها عاملة جيدة تتقن التنظيف والطبخ، لكنها لا تستطيع الاعتناء بطفلي، ناهيك عن أن جدتي مريضة ولذلك أنا بحاجة إلى المال بأسرع وقت ممكن لتغطية نفقات علاجها”.
وقال آخرون نشروا إعلانات على الموقع إنهم كانوا يبيعون خادماتهم بالمزاد العلني لأنهن “لم يكن على دراية بكيفية التعامل مع الأطفال”، أو “غير قادرات على التحدث بالعربية أو الإنكليزية”، أو “أن النظافة الشخصية لديهم غير جيدة”، أو لأنهن “عنيدات وصعبات المراس”.
“الفلبينيات في المقدمة“
وتختلف الأسعار تختلف بحسب جنسية العمال، فالخادمات الفلبينيات مطلوبات أكثر وأسعارهن هي الأعلى.
وأوضح تحقيق “التايمز” أن مئات الإعلانات قد اختفت بعد أيام قليلة من نشرها بسبب وجود طلب كبير على العمال ذوي الخبرة، وفي هذا السياق قالت نورا للمراسل لاحقا إنها “باعت خادمتها” لمشترٍ أكثر جدية يقطن في مدينة أبها، جنوبي البلاد.
من جانبها أوضحت “مبادرة التوعية بقوانين العمل” الكينية، التي تعمل على مساعدة عاملات المنازل في الشرق الأوسط، أنها تتلقى كل يوم تقارير عن قيام كفلاء سعوديين ببيع أو تأجير خدمات عاملات المنازل “دون إذن رسمي”، بالإضافة إلى تلقيها مئات المكالمات شهريا من عاملات يؤكدن فيها تعرضهن لسوء المعاملة.
وكانت العاملة المنزلية الكينية، فاليري شبنا، والبالغة من العمر 30 عاما، قد استفادت من مساعدة تلك المبادرة لمغادرة المملكة العربية السعودية، حيث عادت إلى نيروبي هذا العام.
وقالت فاليري إن الأسرة التي عملت لديها لمدة عامين في الرياض كانت تضربها كل يوم، وترفض السماح لها بالعودة إلى بلادها وتمنع عنها الطعام “كشكل من أشكال التأديب”.
وتابعت: “عدت إلى بلادي وأنا أعاني اضطرابات نفسية وبدون أحصل على مستحقاتي المادية ودون أن أتمكن حتى من استرداد جواز سفري وشهادات دراستي وخبرتي.. كل ذلك احتفظ به الزوجان اللذان كنت أعمل لديهما لأنهما كانا يرفضان أن أتركهما”.
وفي سياق متصل، أوضحت منظمة ايكويديم Equidem، وهي منظمة دولية لحقوق الإنسان لديها فريق متخصص في الكشف عن الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل في الشرق الأوسط، أن “مشكلة الاتجار بالخادمات في السعودية موجودة منذ عقود”، ولكنها أصبحت مؤخرًا “أقرب إلى أزمة إنسانية وأخلاقية بسبب التكنولوجيا”.
وقال المدير التنفيذي للمنظمة، مصطفى القادري: ” بناء على التحقيق الذي أجرته صحيفة التايمز والتقارير التي تصلنا، أضحى لدينا مخاوف كبيرة من أن هناك مئات وربما آلاف حالات الإتجار بالبشر في السعودية تتم عبر الإنترنت”.
واتهم القادري عمالقة التكنولوجيا بـ “تسهيل استغلال هؤلاء العمال”.
وفي تعقيبه على تلك الاتهامات أوضح متحدث باسم شركة آبل أنهم “يحظرون أي تطبيقات يثبت أنها تروج لأنشطة غير قانونية بما ذلك الإتجار بالبشر واستغلال الأطفال”.
وتابع: “نحن نتعامل مع أي تقارير أو إدعاءات بهذا الخصوص بمنتهى الجدية”.
وفي المقابل رفضت شركة غوغل التعليق بشأن حظر تطبيق “الحراج” على متجرها.