ثمة حدث شهدته السعودية الأسبوع الماضي ما كان لمروره في نظر الكثيرين أن يكون عادياً أو عابراً بالنظر إلى دلالاته وما يرمي إليه.
لم تكن دعوة السعودية لأدونيس، المفكر والشاعر المثير للجدل، تشكل لوحدها حدثاً ثقافياً في سياق ما تحاول قيادتها الشابة الجديدة القيام به لتغيير صورتها على نحوٍ جذري ومختلف عن ماضيها الذي كان دائماً موضع نقد شديد من قبل المفكر السوري المقيم في الغرب، لكن ما وصفته الصحافة السعودية نفسها بانه (حضورٌ نوعيٌ مكثفٌ) للنخبة السعودية المثقفة والمتعلمة في القاعات الواسعة التي ألقى فيها أدونيس محاضرتين وأمسية شعرية في عدد من مدن المملكة، هو الأمر الذي يعطي لهذا الحدث أهميةً خاصة.
رسمياً تعاملت السعودية مع زيارة أدونيس بهدوء واضح بما لا يخرجها عن طابعها الثقافي، تاركة لتفاعلات نخبها المثقفة مع حضور أدونيس أن تأخذ مداها في لقاءاته مع تلك النخب دون الإسراف في التغطية الإعلامية لهذا الحدث.
لكن وراء ذلك الهدوء كان ثمة اهتمام بل قدر من الارتياح غير المعلن لحضور هذا المفكر (الإشكالي) إلى عاصمة (الدولة الدينية) التي طالما انتقدها في الماضي بأشد العبارات جرأة، معتبراً أنها تعيش قطيعة مع العصر.
أكثر من هذا فقد كان لافتاً ذلك الترحيب الذي لقيه أدونيس على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل جمهور المثقفين والمتعلمين والشباب دون تحفظ في التعبير عن الابتهاج باستضافة بلادهم لهذا المثقف العلماني الشهير بمشاغباته الفكرية.
على حسابه في موقع تويتر قال الكاتب السعودي عواض شاهر “ها هو أحد أهم وأبرز المثقفين العرب في هذا العصر يكتشف بنفسه على أي قدر بات الحَراك الثقافي لدينا أوسع استيعاباً وأعلى مرونة في صنع المشهد اللائق ببلادنا وبثقافتنا العربية وبعدنا التاريخي”.
هذا بينما رحب كاتب سعودي آخر، وهو سعيد السريحي، في تغريدة له، بأدونيس قائلاً إنه “حين نضع زيارة أدونيس، شاعراً وباحثاً، للمملكة في سياق انفتاحنا على العالم انفتاحاً مدعوماً بثقتنا في أنفسنا ومعززاً برغبتنا في الحوار ومرتكزاً على الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، حين نضع زيارة أدونيس في هذا السياق ندرك البعد الرمزي الهام لهذه الزيارة”.
أما خارج السعودية فكانت هناك تساؤلات بشأن مدلولات هذا الحدث في توقيته وظروفه والسياقات التي يمكن أن يندرج فيها.
على الصعيد السوري رفض معارضون سوريون اعتبار أن هذه الزيارة جزءٌ من حملة علاقات عامة تقوم بها الرياض لتحسين صورتها، واستبعد البعض الآخر أن تكون لها علاقة بمساعي التطبيع الجارية بين السعودية وسوريا البلد الأصلي لأدونيس وحليفتها الوثيقة إيران.
يقول المعارض السوري فائز سارة في حديث لبي بي سي إنه بقدر ما “قد تكون هناك أشياء تخدم السعودية من هذه الزيارة فالمؤكد أيضاً أن هناك ما رأى أدونيس أنه يخدمه حتى يقوم بها.
ولهذا كما يقول سارة “لا يمكن لمثقف كبير مثل أدونيس أن يكون عميلاً يخدم الأهداف السعودية”.
وعلى خلاف ذلك لم ير الكاتب السوري إبراهيم الجبين دلالة ذات قيمة لزيارة أدونيس قائلاً في تصريحات لبي بي سي “أدونيس مع الوقت واستهلاكه لنفسه أصبح مادة للجدل المستمر لدرجة أنه استطاب ذلك، ويفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت”، وما يراه الجبين هو أن ما يقوم به أدونيس فهو أنه “يذهب إلى المكان الذي هاجمه طيلة حياته في شعره وحواراته وكتبه، ويذهب إلى الثقافة التي يحتقرها، والتي قال عنها إنها لم تقدم سوى العنف والدماء والقتل وجز الرؤوس”.
أما أدونيس نفسه فقد بدا وكأنه استبق كل ردود الفعل على زيارته بالتعبير عن ارتياحه للقيام بجولته هذه في السعودية حيث قال في تسجيل مصور منشور على موقع تويتر وفي عدد من وسائل الإعلام الخليجية لدى وصوله إلى الرياض “أنا سعيد جداً لدرجة أنني لا أعرف كيف أصف هذه السعادة”.
كما نقلت عنه مواقع اخبارية سعودية ثناءه على ما وصفه بـ “الإرث الأدبي والحضاري للسعودية، يبوِّئُها مرتبةً أولى في الشعر” وأنه يرى في الصحراء “امتداده العربي الموغل، بما تحويه من طاقة هائلة من الإرث والأسرار”.
هذا فيما أعادت مواقع أخرى من بينها بعض المنصات السورية المعارضة التنويه بانتقاداته السابقه للسعودية ودول خليجية أخرى ولدورها خلال ما عرف بثورات الربيع العربي.
لكن ثمة انطباعاً عاماً تقريباً بأنه ما كان للسعودية أن تصبح مقصداً لعشرات المفكرين والشعراء والفنانين، وآخرهم أدونيس، لولا أن السعودية تعيش اليوم مناخاً جديداً بعد أن جاء من الصفوف الخلفية لقادتها المسنين السابقين زعيم شاب ينتمي الى ذلك القطاع العريض من الشباب المتطلع إلى فرصته في التغيير والتعبير عن حماسه لإعادة ضبط بوصلة بلادهم في الاتجاه الصحيح لحركة التاريخ.