ترجمات

خلف الكواليس.. هل سعت السعودية لإرضاء أمريكا..؟

على مدى عام ونصف العام بدا أن العلاقات بين جو بايدن ومحمد بن سلمان ستؤدي إلى الطلاق بين أمريكا والسعودية، لكن إعلان الأول عن زيارة المملكة ولقاء ولي العهد ربما يمثل إعادة توثيق للعلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن.

عن ما يدور خلف الكواليس، نشرت مؤخراً مجلة Politico الأمريكية تقريراً رصد كثيراً من التجاذبات التي لم يجد بعضها طريقه إلى الإعلام من قبل، فهل تمثل زيارة بايدن المقبلة للمملكة بداية فصل جديد من التحالف الاستراتيجي بين البلدين؟.

وهذا الأسبوع، أعلن بايدن خطوة كان المراقبون يتوقعونها منذ فترة طويلة: زيارة رسمية إلى السعودية، ما يؤدي فعلياً إلى إذابة الجليد في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، والاعتراف بأن معاملة الدولة البترولية القوية على أنها “منبوذة” سيكون طريقاً دبلوماسياً مسدوداً.

تشير المقابلات مع العديد من المسؤولين الأمريكيين والسعوديين المشاركين في مناقشات صريحة ومتوترة في كثير من الأحيان بين الجانبين منذ تولى بايدن منصبه، إلى أن رؤية محمد بن سلمان، بدلاً من رؤية بايدن، هي التي انتهت برسم الطريق إلى الأمام بين البلدين.

أرسل حوالي نصف دزينة من المشرعين الديمقراطيين إلى الرئيس خطاباً يحذرون فيه من أن التعامل مع المملكة يجب أن يهدف إلى “إعادة ضبط تلك العلاقة لخدمة المصالح الوطنية الأمريكية”، وهو تذكيرٌ بوعد بايدن المبكر بـ”إعادة تقويم” الروابط الأمريكية السعودية. وقال النائب آدم شيف (ديمقراطي من كاليفورنيا)، رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، الذي ساعد في صياغة الرسالة، إن بايدن يجب ألا يزور المملكة، مشيراً إلى دور محمد بن سلمان في قتل خاشقجي.

وفي رسالة حديثة إلى بايدن، حذرت 13 منظمة حقوقية من الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات دون أن تكون حقوق الإنسان في القلب من هذه العلاقات: “ليست فقط خيانة لوعود حملتك، ولكن من المرجح أن تشجع ولي العهد على ارتكاب المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الدولية”.

بالنسبة لبايدن، كانت هناك بالفعل “إعادة تقويم” عالمية، وقد أدى ذلك إلى فقدان الثقة في وعد حملته بإصلاح العلاقات الأمريكية السعودية. في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، يقول كبار المسؤولين الأمريكيين، إن الرئيس ينظر الآن إلى مشاركة أمريكا العالمية، ودوره كقائدٍ عالمي، من خلال منظور مختلف عما كان عليه عندما تولى منصبه، حيث تكون للواقعية الباردة الأسبقية على الاعتبارات الأخلاقية. كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن مؤخراً في فعاليةٍ بمناسبة الذكرى المئوية لمجلة Foreign Affairs الأمريكية: “غالباً ما ينطوي فن الحكم على اتخاذ خيارات صعبة”.

ورغم موقف بايدن الذي لا يرحم، حين كان لا يزال مرشحاً، فقد افتتح رئاسته بإيماءة دبلوماسية قياسية تجاه السعودية، فبمجرد توليه المنصب اتصل بالملك سلمان، فيما وصفها الطرفان بأنها محادثة دافئة وتطلعية.

كانت سياسة بايدن الأولية هي اتخاذ موقف متشدد تجاه السعودية علناً، مع محاولة الحفاظ على علاقة دبلوماسية وظيفية خلف الكواليس، على وجه الخصوص دفع السعوديين لإنهاء الحرب في اليمن ولعب دور بناء في السياسة الإقليمية، بما في ذلك تجاه العراق وإسرائيل.

ماذا فعلت السعودية لإصلاح العلاقة..؟

رغم الجو البارد يقر مسؤولو الإدارة الأمريكية بأن السعوديين قد وفّوا إلى حد كبير بطلبات واشنطن. منذ أن تولى بايدن منصبه كثف محمد بن سلمان جهوده لإنهاء الحرب في اليمن، وأوقف الحصار المفروض على قطر، وفتح حواراً مع إيران بالتوازي مع المفاوضات النووية لواشنطن، وعمَّق الاتصالات بهدوء مع إسرائيل.

في وقت سابق من هذا العام، شارك السعوديون إلى جانب إسرائيل في مناوراتٍ بحرية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، وتحاول إدارة بايدن الآن التوسط في اتفاق بين البلدين يسمح برحلات تجارية إضافية من وإلى إسرائيل للطيران عبر المجال الجوي السعودي، وأخرى للمملكة لتولي السيطرة على جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر. وفي الداخل سعى ولي العهد إلى تحديث البلاد، بما في ذلك تحييد رجال الدين ومنح المرأة المزيد من الحقوق.

شعر القادة السعوديون أن فريق بايدن استغل هذه الجهود في شراكة ولم يقدم سوى القليل في المقابل. قال مسؤولون سعوديون إن الثناء كان يُلقى بهدوء خلف أبواب مغلقة، حتى مع استمرار تعرض السعوديين للهجوم في الكونغرس.

أخبر محمد بن سلمان مساعديه أن هناك حاجة إلى رؤية إيجابية لإعادة صياغة العلاقة. كان يعتقد أن خطة بايدن “إعادة البناء بشكل أفضل” تعكس خطته الاستراتيجية لرؤية 2030 لتحويل الاقتصاد السعودي. في مناسبات عديدة كان يقترح أفكاراً حول كيفية عمل البلدين معاً في مجالات من النفط والأمن الغذائي إلى التعاون السيبراني والفضائي. وقال إن مثل هذه الشراكة من شأنها أن تخلق وظائف سعودية وتزيد من القدرة التنافسية للولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

وقالت السفيرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود لمجلة Politico الأمريكية في مقابلةٍ معها: “أردنا خارطة طريق للشراكة بين البلدين لما تبقى من هذا القرن”.

وبدلاً من ذلك، يقول المسؤولون السعوديون إنهم استمروا في تلقي مجموعة متنوعة من الطلبات، من المساعدة في كبح عدم الاستقرار في العراق ومساعدة الاقتصاد اللبناني المتعثر، إلى استقبال اللاجئين الأفغان إلى التوسط في الصراع في السودان وإثيوبيا. ثم كان هناك النفط: طلب دائم من الولايات المتحدة للسعودية بزيادة الإنتاج للحد من ارتفاع أسعار الغاز.

تحسن في العلاقات.. ولكن في الخفاء

ورفضت الرياض ما اعتبرته أنصاف إجراءات رداً على التهديدات التي واجهتها من إيران ووكلائها. وشطبت واشنطن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن من قائمة المنظمات الإرهابية، وحرمت الرياض من الحصول على ذخيرة دقيقة لمواجهة الهجمات الصاروخية المستمرة، التي اعتبرتها الولايات المتحدة “أسلحة هجومية”.

وضع محمد بن سلمان رؤيته للتعاون عبر عدد من القطاعات التي، كما قال، ستحول البصمة العالمية للولايات المتحدة من القواعد والناقلات إلى التنمية الاقتصادية والابتكار. وأصرّ على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى شريك مثل المملكة السعودية.

بصفته مهندس “السياسة الخارجية للطبقة الوسطى” لبايدن، كان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مستثمراً في التجديد المحلي الأمريكي كما كان مستثمراً في قيادتها العالمية. وإدراكاً لفرص تعزيز قدرة الولايات المتحدة على المنافسة على الساحة العالمية، وافق على أنه من المهم التطلع إلى الأمام، حتى بينما يعمل البلدان على حل القضايا العالقة بشأن اليمن وحقوق الإنسان.

في خلال الأسابيع السابقة على الزيارة، بدأ عددٌ من الوزراء السعوديين يتدفقون إلى واشنطن، من الشؤون الخارجية والدفاع إلى التجارة والاستثمار والبيئة. وشهدت الرياض أيضاً تدفقاً مشابهاً للوفود الأمريكية. بدأ المسؤولون الأمريكيون في إرسال رسائل إلى الشركات الأمريكية، تفيد بأنه لا بأس من القيام بأعمال تجارية في المملكة، وعقد وزير المالية السعودي منتدى لمدة يومين في واشنطن مع قادة الأعمال حول كيفية إجراء البلاد تغييرات تنظيمية لاستيعاب الشركات الأمريكية والأجنبية الأخرى.

ولكن رغم التقدم المطرد الذي يحرزه الجانبان على مستوى العمل، فإن رفض بايدن المستمر لتطبيع العلاقات مع محمد بن سلمان كان له أثره، لا سيما على الجمهور السعودي، الذي شعر بعدم الاحترام بسبب الهجمات الشخصية المتصورة ضد ولي العهد، الذي ظل يحظى بشعبيةٍ كبيرة في الداخل.

كانت السفيرة ريما بنت بندر أكثر دبلوماسية، لكنها رددت نفس المشاعر. وقالت لمجلة Politico: “لم نستخف بزعيم أمريكي قط، يمكننا أن نتفق أو نختلف بشأن السياسة، لكن لا يمكن أن يكون حديثك شخصياً”.

زر الذهاب إلى الأعلى