دعا أستاذ الاجتماع السياسي خالد الدخيل، إلى إعادة الاعتبار للجزيرة العربية، التي تم تجاهلها في السابق واستثمار مقوماتها، التي أهملت من قبل الحكومات السعودية ومن النخب المثقفة حد تعبيره.
ورأى الأكاديمي “الدخيل” في حوار أجراه معه “عبدالرحمن أبو مالح” في سلسلته “فنجان ثمانية” في بوادكست، وأعاد تحريره “السعودية اليوم” أن السعوديين ارتكبوا خطأ كبيراً، بحق الجزيرة العربية، واتجهوا إلى “الخليج العربي”، أهملوا الجزيرة العربية، التي تحمل إرثاً اجتماعياً وسياسياً وتاريخياً ودينياً وحضارياً”.
وقال “لم نعتن بالمكان الذي ننتمي إليه” مشيراً، إلى أن كان يمكن استثمار الانتماء الإسلامي، لزيادة الانتماء الوطني، كونك تعيش في الجزيرة العربية، في فضاء ثقافي سياسي واحد، ولها رمزية ضخمة”.
وتطرّق إلى أن العرب لديهم ثلاثة مراكز حضارية، وهي بلاد الرافدين والجزيرة العربية وبلاد النيل، مؤكداً أن المصريين وحدهم من اهتموا بتطوير وترسيخ فكرة الانتماء إلى وادي النيل، وأعطوها الرمزية التي تستحقها، كما أن العراقيين حاولوا ترسيخ فكرة الرافدين، إلا أن فشلوا مؤخراً.
وقال “نحن لدينا الجزيرة العربية لم نستثمرها رغم أنها فيها نشأ الجنس العربي ونشأت اللغة العربية، وهي التي ظهر فيها أول شكل من اشكال التعبير الفني، “الشعر الجاهلي”، ثم ختامه مسك، هي التي ظهر فيها الإسلام”.
ولفت أن الدولة والمثقفين والتعليم ووزارة الثقافة والجامعات كلها مقصرة، وجعلت الجزيرة فقط مسلمة من المسلمات، قائلاً ” لم أجد من السعوديين من عمل دراسة أو أنه تخصص في نشأة اللغة العربية”، كون الموضوع صعباً، ويريد الاشتغال في أكثر من علم، منها الآثار.
وأشار إلى أن الاهتمام بالمكان وهي الجزيرة العربية، كان البديل لترسيخ الهوية الوطنية، كما أن الجميع قصر في الاهتمام بتاريخ القبائل وهجراتها وتاريخ المناطق.
عوامل سياسية
وعن الخطأ الذي ارتكب بحق الجزيرة، أوضح أنه كان لعوامل سياسية، فلم يتم الاهتمام بها، كما هو حاصل اليوم نحن سعوديون وكفى، ولا اهتمام بالقضايا الأخرى من سياسية واجتماعية وهوية.
ولفت أنه تم اختيار تسمية الخليج العربي، حتى لا يثير حساسية سياسية حينها، مع أن السعودية لا تنتمي للخليج لا جغرافيا ولا تاريخياً، ولم ترتبط بالخليج إلا في زمن النفط.
وعن الشكل السياسي الأول الذي عرفته الجزيرة العربية أفاد الدخيل أنه لو وجدت دراسات وبحوث، عن الشكل السياسي للدولة، لما قبل فترة قبل الإسلام وقبل الميلاد، خصوصا في السبعينيات من القرن الماضي، مع بداية الطفرة لكنا قطعنا إلى الآن شوطاً كبيراً.
موضحاً أن الجزيرة ليست اسماً فقط، بل له تاريخ عريق، وأنها ظلت 12 قرناً، لم تعرف فكرة الدولة المركزية، وذلك بعد خروج الخلافة الإسلامية منها، لذا أول دولة تعيد فكرة الدولة من جديد هي الدولة السعودية.
وبشأن ما أحدثه غياب الدولة المركزية، قال الأكاديمي الدخيل، “إنه طوال 12 قرناً ومع توالد الأجيال، والعزلة التي حدثت أن فكرة الدولة المركزية، خرجت من ثقافة المجتمع والتي بدورها أخرجت السياسة من حياة الناس، يضاف إلى ذلك أن الجزيرة لم تخض صدامات سياسية، ولا صراعات ولا محاولات توحيد، كما أن الدولة حين جاءت ركزت على الوحدة السياسية، ولم تهتم الوحدة الاندماجية”.
الطفرة النفطية
ولفت إلى أنه المجتمع السعودي لم يعرف الحركة والتنقل للعيش في مختلف المناطق، إلا بعد الطفرة النفطية، وأن الفترة الفاصلة كانت السبعينيات، بينما اكتشف النفط في 1938 وأن بداية التصدير كانت في 1945، بسبب الحرب العالمية الثانية، لذلك ظل المجتمع فقيراً لفترة طويلة، أي على حالته الأولى وإن بدأت تتحسن معيشته وقتها، إلا أن الوضع السياسي والاجتماعي ما تغير.
وقال إن التغير الحقيقي للمجتمع السعودي، لم يبدأ إلا مع الطفرة، التي بدورها حركت كل العوامل الاجتماعية، وبدأت الناس تخرج من مرحلة الكفاف حيث كان الحراك محدوداً لأنه لا يوجد رأس مال، ولا أعمال.
ومنذ ذلك الحين مروراً بالثمانينات التي حدث فيها التطور، إلى اليوم في العام 2022، وهو ما يصل إلى نصف قرن، إلا أن الوحدة الوطنية ما تحققت بحسب ما ذهب إليه الدخيل.
إسهام للأغنية
وتطرّق إلى أن الأغنية في السعودية وحدها من ساهمت في تحقيق الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن الجزيرة قبل الأغنية كما كانت مقسمة جغرافياً واجتماعياً كانت مقسمة فنياً، فهناك غناء خاص بنجد وآخر بالحجاز كما أن للجنوب فناً ورقصات خاصة بها.
وأشار إلى أن أول أغنية كانت لا تنتمي لنجد ولا الحجاز ولا لأي منطقة، وهي أغنية لطلال مداح “وردك يا زارع الورد” لتأتي بعدها الأغاني التي لا تحس عنها سوى أنها سعودية.
ضعف الهوية الوطنية
وقال “مع ذلك الهوية الوطنية فيها ضعف، ما زالت تعاني من ضعف” مفسراً ذلك كون المجتمع لم يدخل حروباً أو صراعات كبيرة مع خصوم كبار، كان كفيلاً بتحريك الوجدان الداخلي عند الجميع، ويصل إلى درجة أن يذهب المواطن من أحل أن يموت من أجل البلد.
ودلل الأكاديمي الدخيل، إلى نماذج عززت الهوية الوطنية فيها لأسباب كثيرة، منها تعرضها للاستعمار، كمصر وسوريا والعراق.
الحس المناطقي والقبلي
كما أن الحس المناطقي أو القبلي كان عاملاً مؤثراً في ضعف الهوية، وقال “أنت لازم تعتبر الجنوب أفضل شيء، وأهل العارض يعتبر العارض أحسن شيء، والحجاز يعتبر هو سيد الناس، اعتز بمنطقتك، لكن اعتبرها جزءاً من كيان أكبر، لا إشكال أنك تحب الجنوب أو القصيم، أو تحب مكة، عادي ما في مشكلة، لكن تحتاج تغادر مرحلة ما قبل الدولة، لأن هذه الانقسامات كانت ما قبل الدولة، عندما جاءت الدولة يفترض أن ندخل في معترك الدولة بمختلف المستويات”.
وقال إن القبيلة تصدعت مبكرا حتى قبل قيام الدولة، وأن الدولة حلت محل الجميع، كما أن العائلة حلّت محل القبيلة.
وأستدرك أنه في الماضي، قبل الدولة السعودية وحتى أثناء الدولة السعودية الأولى كانت القبائل لها أماكن جغرافية خاصة، بني شهر لهم منطقة خاصة بهم، والزهارنة لهم منطقة، أي أن وحدة القبيلة والمكان كان مع بعض.
وقال “إلا أنه فجأة هذه القبائل بدأت تفكك إلى عوائل وكل عائلة كانت تعمر مدينة، وتصير هي التي تحكم هذه المدينة، هذا على الأقل الذي حصل هنا” لافتاً إلى أن الناس استقرت في هذه الحواضر، أو المدن إلا أنه لم تعد القبيلة سيدة الموقف، بل العائلة.
وأضاف “أن المجتمع السعودي لم يغادر العائلة حتى الآن، هذه حقيقة عادية، العائلة هي المركز، تنافس أحيانا حتى سلطة الدول داخل العائل نفسها.
الانتماء الجمعي للوطن
ويرى أن وجود الدولة ووجود العائلة، أضعف الانتماء الجمعي الوطني، فكل واحد يقول إنه سعودي، ولا يقبل أحداً أن يتكلم عن السعودية هذه مؤشرات مهمة، لكن قصة السعودية والانتماء لها عنده هي مسلمة فقط.
وأوضح أن السعوديين لم يغادروا بعد مرحلة ما قبل الدولة، مشيراً إلى أنه من المفترض أن تخلق الدولة واقعا جديداً، يكون الناس فيها لا تتكلم إلا عن الوطن، وقدسية الدفاع عن الوطن، وعن حماية الوطن، وبأي ثمن من الأثمان.
وأضاف “الصراعات الكبيرة هي التي تطلع مكامن الناس ومكامن المجتمعات ومكامن الشعوب، يمكن أكثر دولة عربية فيها حس وطني هي مصر، وذلك نابع من التجربة السياسية التي مرت بها، آخرها الصراع مع إسرائيل”.
تقصير من الجميع
وكون السعودية لم تمر بمثل هذه الصراعات، إلا أنه حدث تقصير عن إيجاد البديل، كما يرى الدخيل، على كل المستويات من الدولة والمثقفين ومن التعليم، لأنه ليس ضرورياً أن أذهب إلى حروب، من أجل هوية وطنية، لأن عناصر الهوية الوطنية موجودة، ما أحد ينكر أنها موجودة، لكنها لم تخرج إلى السطح، عندنا ربما الجانب الفني هو الذي لعب دوراً مباشراً، وهو الغناء وكان دون قصد.
وقال “نحتاج أن نغادر مرحلة المناطقية، والقبيلة، وأن ندخل مرحلة الدولة، فالمناطقية والقبلية تضرب معنى الدولة”.
كما تطرق، الدكتور الدخيل إلى قضايا أخرى منها التطبيع مع إسرائيل دون مقابل، كما أنها لا تعتبر حدودها مفتوحة، وعن الصراع العربي الإيراني، والذي تزداد مخاطره مع اقتراب امتلاك طهران للسلاح النووي.