بعد انتخابات ساخنة.. هل يزعج مجلس الأمة الكويتي بقية دول الخليج؟
تابع المواطنون في الخليج ومنهم السعوديون احتفال الكويتيين الأسبوع الماضي بنجاح انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2022 بعد سنوات من انسداد الأفق السياسي في البلاد، وذلك بعد تعهد الحكومة الكويتية مؤخراً بعدم التدخل في مجلس الأمة. خطوة عدها كثير من المراقبين بادرة انفراج في المشهد الكويتي، جاءت على يد ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
يعود السبب في تفاؤل كثير من المواطنين السعودية بنجاح التجربة الكويتية أملاً في أن تعود هذه الأجواء الإيجابية في المنطقة الخليجية عموماً عليهم بشيء من تخفيف الاحتقان السياسي داخل المملكة.
في المقابل، شهد الإعلام السعودي، متمثلاً في قناة العربية والحسابات الرئيسية المؤثرة، هجمة شرسة ضد التجربة الديموقراطية الكويتية الأقدم والأنضج في الخليج، عموماً، ونتائج انتخابات مجلس الأمة خصوصاً.
ما الذي يزعج الإعلام السعودي في التجربة الكويتية عموماً؟ وهل كانت نتائج الانتخابات الأخيرة وصعود المرشحين الإصلاحيين، وليس مجرد الانتخابات، هي من أشعل فتيل الهجوم الشرس من الإعلام السعودي؟ ألا تستحق المملكة مجلس شورى أكثر فاعلية وحرية في خدمة المواطن وحمايته؟ ولماذا فشلت، أو أُفشلت، تجربة المملكة في الانتخابات البلدية؟ ”السعودية اليوم“ تحاول الإجابة على هذه الأسئلة في هذا التقرير.
جولة ديموقراطية جديدة في الكويت
تظل شبه ديمقراطية، إلا أن فيها هامشاً مريحاً من الحرية السياسية، وتجربة ثرية للكويتيين تشهد تنافساً من أجل الوصول إلى قبة مجلس الأمة، المجلس الذي يمثل تجربة ديموقراطية فريدة من نوعها في الخليج، إلا أن التساؤلات تحيط بالتجربة من قبيل معرفة الإيجابيات والسلبيات.
أُعلنت النتائج النهائية لمجلس الأمة 2022 مساء الخميس 29 سبتمبر، والتي كشفت عن وجه جديد للبرلمان الأعرق في منطقة الخليج بمعدل تغيير عن سابقه بلغ 54%. وكان 305 مرشحين قد تنافسوا على المقاعد الخمسين لمجلس الأمة في الاقتراع الذي استمر 12 ساعة، وفق نظام الصوت الانتخابي الواحد.
وفي اجتماع استثنائي السبت 1 تشرين الأول/ أكتوبر، قرر مجلس الوزراء الكويتي، عقد الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة 2022 يوم الثلاثاء الموافق 11 من الشهر الجاري التزاماً بأحكام الدستور الذي يقضي بعقد أولى جلسات البرلمان في غضون أسبوعين فقط من إعلان النتائج النهائية للانتخابات النيابية.
مجلس الأمة.. مثار جدل دائم
بالرغم من أن تاريخ مجلس الأمة قد شهد حله 10 مرات، لكن ما يجعل هذه الانتخابات متميزة في تاريخ التجربة الكويتية الديموقراطية هو ما صاحبها من تفاؤل شعبي بعد تعهد الحكومة الكويتية ممثلة بولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بعدم التدخل في انتخابات مجلس الأمة. هذه الخطوة عدها كثير من المراقبين بادرة انفراج في المشهد الكويتي جاءت على يد ولي العهد الكويتي.
وشهدت التجربة الأخيرة وفق مراقبين زخماً وتميزاً وذلك بطغيان أجواء التفاؤل والثقة، مع مشاركة القوى والشخصيات السياسية التي قاطعت الانتخابات منذ عام 2013. وتكون بذلك الكويت قد دخلت فصلاً جديداً من الحياة النيابية، ولا يستبعد أن يظل المجلس مثار جدل، كونه في الفترة السابقة، كان في شد وجذب مع السلطة التنفيذية، عن عديد قضايا، والذي أدى إلى حلّه أكثر من 10 مرات.
وأكد المراقبون أن مخرجات العملية السياسية وانتخابات مجلس الأمة كانت مبهرة ـ بعودة القوى والشخصيات السياسة البارزة المحسوبة على المعارضة وزيادة عدد النواب المعارضين على أغلبية المقاعد 30 من 50 مقعداً، كما عادت المرأة بالفوز بمقعدين.
أين تكمن السلبيات؟
واجه مجلس الأمة الكويتي انتقادات في الداخل الكويتي وفي الخارج بأنه ترف سياسي تسبب بتعطيل التنمية والتقدم، وكرس الفرقة والمواجهات السياسية. خاصة مع الاستقالات المتكررة للحكومات بسبب التصعيد والاستجوابات. ما تسبب بحل وإبطال عشرة مجالس أمة منتخبة لأسباب ومبررات مختلفة. وكان أول اتهام للمجلس في عام 2008، حيث اتهم بإفشاله لشراكة تاريخية مع عملاق البتروكيماويات الأمريكي «داو كيميكال»، ما كبّد الكويت خسارة تقدر بـ2.5 مليار دولار، حيث تسبب ضغط المعارضة في مجلس الأمة في تراجع الحكومة عن توقيع الشراكة الضخمة والمقدرة بقيمة 8 مليارات دولار، كونهم يرون في مصانع الشركة أنها خردة متهالكة -على حد وصفهم.
ومن ذلك أيضاً، مشروع مدينة الحرير والمحدّدة ميزانيته 86 مليار دولار، ليشمل مجمّعات تجارية وفنادق ومطاعم وواحد من أطول الأبراج في المنطقة، باستثمارات تعود على الكويت بـ100 مليار دولار، إضافة إلى مشروع الجزر الخمس، المشروع الذي يعد جزءاً من رؤية الكويت 2035، بتكلفة تبلغ 3.2 مليار دولار، وبمدة تنفيذ تستغرق 9 عقود، ويشتمل على أكثر من 11 مشروعاً؛ أربعة منها تسهم في عائدات على الكويت تقدر بـ3.6 مليار دولار، وأرباح تصل إلى 600 مليون دولار.
ووفقاً للتقارير الحكومية، فإن الكويت تعاني من تأخر في تنفيذ المشاريع بنسبة تصل إلى 78 في المائة، وانخفاض الإنفاق عليها بنسبة تصل إلى 3.9 في المائة، مقارنة بعام 2021.
ما الذي يحسب لتجربة الكويت؟
وما يحسب للتجربة الكويتية أنها جنبت النظام الحاكم فيها “الاهتراء السياسي”، لأنه لا يمكن للمجتمعات والدول أن تكون مستقرة ما لم يترافق بشكل متوازٍ مع التطور والتمدن والتثقيف والتعليم للمجتمعات والشعوب في الدول النامية التطور السياسي والمشاركة السياسية والمساءلة والمحاسبة وذلك لتحقيق الاستقرار. وذلك وفق ما كتب عبدالله خليفة الشايجي في صحيفة القدس العربي.
وقال الشايجي “برغم تعطيل أعمال 10 مجالس أمة من 16 مجلس أمة منتخباً، سواء بالحل أو الإبطال دون إكمال المدد الدستورية للمجالس المنتخبة، لتجاوزات قانونية أو مواجهات سياسية وتشكيل 40 حكومة خلال ستين عاماً، إلا أن ذلك أسس وكرس ثقافة مجتمعية لشرائح المجتمع الكويتي وخاصة للجيل الشاب بحق المشاركة والمصارحة والرقابة والانتقاد وهذا مهم لمجتمع ريعي يعمل أكثر من 90٪ من مواطنيه في القطاع الحكومي كباقي المجتمعات الخليجية التي تعيش في مجتمعات ريعية”.
وما يميز التجربة الكويتية في مجلس الأمة، أنها أصّلت للمشاركة السياسية، وقامت بحماية حرية التعبير في البلاد، كما أنها مثلت سدا منيعاً أمام التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. في المقابل، ينتقد بعض مفكري الخليج أن تجربة مجلس الأمة الكويتي كانت سبباً لتطيل التنمية الكويتية بسبب كون المجلس ساحة للعراك السياسي الذي خدم قضايا عدة وأخفق في أخرى.
ما وراء هجوم قناة العربية لمجلس الأمة؟
وهنا في المملكة، لاقت التجربة تفاعلاً من عدد من المواطنين، كما احتفل بعض المواطنين في مدينة حفر الباطن بفوز أحد أبناء عمومتهم في الكويت. كما تابع الكثيرون نتائج الانتخابات أولاً بأول لأسباب مختلفة.
إلا أن قناة العربية كان لها رأي آخر، فقد سارعت بالهجوم على مجلس الأمة ونتائج انتخاباته بشكل شرس، وهو ما أثار حفيظة الكويتيين. جاء ذلك في تقرير للقناة، في 27 من سبتمبر الماضي، اتهمت فيه المجلس أنه كبّد البلاد خسائر بالمليارات وعطّل مشاريع استثمارية وتنموية.
تفاعل الكويتيون في مواقع التواصل الاجتماعي مع تقرير قناة العربية واعتبروا ذلك إساءة للتجربة الديمقراطية الكويتية. كما وصفوه بأنه تدخل في شؤون البلاد الداخلية وتضليلاً متعمداً وتشويهاً لصورة المجلس.
إثر ذلك سارعت وزارة الإعلام الكويتية إلى مخاطبة مدير مكتب قناة العربية في الكويت بخصوص مخالفة القناة ”لقوانين الإعلام الكويتي ورسالة الإعلام الخليجي”، وأكّدت أنوار مراد، الناطقة باسم الوزارة لصحيفة الراي الكويتية واسعة الانتشار، أن “التقرير الذي عرضته القناة احتوى على معلومات مغلوطة، ويخالف القرار الوزاري رقم 134 لسنة 2013″، وأوضحت أنه “يتنافى مع ما تم إقراره في القمم الخليجية والمجلس الوزاري، ومجلس وزراء الإعلام الخليجي، في شأن طبيعة التعامل الإعلامي بين دول مجلس التعاون الخليجي”.
نواب يردون
بدورهم رد نواب في مجلس الأمة على قناة العربية، ومنهم “عبدالكريم الكندري، وثامر السويط، وعبدالعزيز الصقعبي”، أفادوا بأن كل تجربة لها إيجابيات وسلبيات، لكن الجميل أن بعض الأشقاء بدول الجوار، يشاركوننا ديمقراطيتنا التي لا يرغبون بها على حد قولهم، فتجدهم يغضون النظر مجبرين عن ما يحصل لديهم، ويمارسون حرية التعبير والانتقاد لتجربتنا الديمقراطية وممارساتنا النيابية، ويناقشون قضايانا اليومية معنا بكل أريحية.
كل ذلك يدعو للتساؤلات، كون تجربة الأشقاء في الكويت مدعاة للفخر، لا الانتقاص منها، فلا مبرر للهجوم عليها إعلامياً، أو على التواصل الاجتماعي، والسؤال، ما الذي يزعج الإعلام السعودي في التجربة الكويتية عموماً؟ وهل كانت نتائج الانتخابات الأخيرة وصعود المرشحين الإصلاحيين، وليس مجرد الانتخابات، هي من أشعل فتيل الهجوم الشرس من الإعلام السعودي؟. كما أنه هل باتت المملكة تخشى من التجربة الديموقراطية في الخليج ومن رفع سقف المواطن؟ أم أن سبب الهجوم بسبب موقف المجلس والنواب الإصلاحيين من التطبيع والاعتراض على قوانين تخص الضريبة؟ وبعيداً عن الإجابات عن هذه الأسئلة، ألم يكن حرياً بالمملكة قيادة وحكومة وشعباً الاستفادة من هذه التجربة، مع البعد عن أخطائها والسعي إلى تطبيقها واقعاً سعودياً، بآلية تأتي بالنفع للمواطن، كما أن تحارب الفساد وتعمل على تنمية المواطن، وتحقيق التنمية المنشودة في ظل مجالس شورى وبلدية، تكون منتخبة، لا يتم اختيارها.
المواطن السعودي يتطلع لتجربة أفضل.. ولكن ماذا حل بالانتخابات البلدية في المملكة؟
وباعتبار أن تجربة البرلمانية الكويتية ثرية ومتفردة في محيطها، إلا أنه يجب أن لا نغفل التجارب الأخرى ومنها انتخابات البلدية في السعودية، والتي كان يأمل منها الشعب السعودي تطويرها أكثر وإتاحة الفرصة له للتعبير عن آرائه والمشاركة في صنع القرار.
إلا أن التجربة وئدت، دون إبداء أسباب منطقية، بعد أن كانت قد شهدت منذ ما يقارب العقد ونصف العقد مراحل متطورة في دوراتها الثلاث من حيث زيادة عدد الأعضاء المنتخبين والمعينين، وزيادة الدوائر الانتخابية، وتمكين المرأة السعودية من التصويت والترشح لعضوية المجالس البلدية، ومنح صلاحيات أكثر لأعضاء ورؤساء المجالس.
كما حظيت الانتخابات البلدية منذ أول دورة بإقبال شعبي منقطع النظير على مراكز الاقتراع، وتفاعل كبير مع الحملات الانتخابية للمرشحين ودعمهم لاختيار أعضاء المجالس البلدية في مراكزهم من خلال عملية التصويت للمرشح في الدائرة الانتخابية التابع لها الناخب.
وفي ديسمبر 2021 أعلنت الأمانة العامة للمجالس البلدية بصورة مفاجئة انتهاء فترة تمديد عمل المجالس البلدية في دورتها الثالثة بجميع مناطق المملكة ومحافظاتها ومراكزها، ولم توضح الأمانة إن كان هناك دورة رابعة للمجالس البلدية يتم العمل على التحضير والترتيب لها حالياً، أم أن الدورة الثالثة المنتهية هي آخر دورة في المجالس البلدية بالمملكة، وأن مقار ومباني المجالس البلدية ستغلق للأبد.
ورغم أن التجربة السعودية في البلدية، قد واجهت انتقادات بسبب الغموض الذي كان يكتنف أعمال وأنشطة بعض المجالس البلدية، إلا أن التساؤلات ما زالت عن سر إيقافها، أم أن الشعب السعودي لا يستحق أن تكون له مساهمة ولو شبه ديمقراطية.