عقود من العلاقة المعقدة: القرضاوي والسعودية.. بين جائزة الملك فيصل وقائمة الإرهاب
أُعلن الاثنين الماضي (26 سبتمبر 2022) في العاصمة القطرية الدوحة عن وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، عن 96 عاماً. شغل الشيخ القرضاوي مهمات عدة في مسيرته العلمية والدعوية، لعل أبرزها تأسيسه وترؤسه فترة من الزمن للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وبوفاة الشيخ القرضاوي، أسدل الستار على فصل مهم من فصول تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، بغياب واحد من أبرز الفقهاء المسلمين المعاصرين، الذي له بصمات اجتهادية كبيرة في الفقه الإسلامي. والمفارقة، أن القرضاوي كان الأكثر عرضة للهجوم من قبل كثير من الأنظمة العربية وبعض القوى الليبرالية واليسارية، وأيضاً بعض القوى السلفية في الوقت ذاته.
ولد القرضاوي في 9 سبتمبر/أيلول 1926، بقرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية بدلتا النيل، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتاً بمصر، وهو عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وكان مولد القرضاوي فيها في 9 سبتمبر/أيلول 1926، وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.
القرضاوي والسعودية.. عقود من صفو الوداد
ومع وفاة الشيخ القرضاوي، تلقى الإعلام السعودي، الرسمي وشبه الرسمي، خبر وفاته بشكل يوحي بأن العلاقة التي ربطت القرضاوي بالسعودية، حكاماً وعلماء، كانت مسمومة وعدائية. بينما يخبرنا الواقع القريب المشاهد عكس ذلك تماماً، حيث كانت له علاقة متفاعلة إيجابية مع ملوك البلاد وأمرائها وعلمائها، ولا تخلو من مواقف هنا وهناك.
فالدكتور يوسف القرضاوي كانت تربطه علاقات قوية مع علماء المملكة، وفي أولهم الشيخ عبدالعزيز بن باز، والذي كان يسميه بالعلاّمة القرضاوي. كما ينقل طلاب الشيخ بن باز أن الشيخ سمح بتوزيع أحد أهم كتب القرضاوي، وهو “الحلال والحرام في الإسلام” في وقت مبكر عقب طباعته، حيث يعد هذا الكتاب من بواكير مؤلفات القرضاوي. كما أنه كان عضواً في المجمع الفقهي الإسلامي بمكة لعقود، بينما الجامعات السعودية ظلت تدرّس كتبه، ومنها كتاب “فقه الزكاة”.
ولذلك نجد أن الشيخ القرضاوي ينعي الشيخ بن باز عقب وفاته في مايو 1999، ويقول بأن العالم الإسلامي فقد عالما جليلا، وعلما من أعلامه، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة العربية السعودية، وأكبر علمائها وأشهرهم. واعتبر القرضاوي وفاة سماحة الشيخ بن باز مصيبة بالنسبة للأمة، خصوصًا إذا كان هؤلاء العلماء ممن آتاهم الله حظًا وافرًا في العلم والعمل، والدعوة والتعليم، حسب بيان نعي. وفي موقعه تحدث الشيخ القرضاوي، بأن شارك في الصلاة عليه وقدم واجب العزاء لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز.
إضافة إلى ذلك تربط الشيخ القرضاوي علاقات أخرى ممتازة مع مشايخ سعوديين آخرين، لعل أبرزهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ -المفتي العام للمملكة العربية، حيث وثق موقع الشيخ القرضاوي على شبكة الانترنت، اتصالاً قديماً أجراه آل الشيخ في أواخر العام 2007، وكان حينها القرضاوي، رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك للاطمئنان على صحته.
وفي كتابات الشيخ الراحل، تجد حفاوة كبيرة يكنها للمملكة وقادتها، بدءاً من مذكراته “ابن القرية والكتاب” والذي ذكر فيه زيارة الملك المؤسس لمصر في العام 1945، حيث تم استقباله من كل فئات الشعب المصري، وقال القرضاوي في الكتاب حيث كان حينها مازال طالباً في الأزهر “كان طلبة الأزهر يكنون مشاعر مودة وتقدير لابن سعود، لما شاع عنه أنه يطبق أحكام الشريعة السمحة، ويقيم الحدود، ويحكم بالكتاب والسنة”.
جائزة الملك فيصل للقرضاوي
كانت أبرز محطات علاقة الشيخ القرضاوي بالسعودية هي حصوله على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية، والتي نالها في العام 1994. حيث تم ترشيح الشيخ القرضاوي من قبل جامعته الأم، جامعة الأزهر، لنيل جائزة الملك فيصل في فرع الدراسات الإسلامية، والتي نالها مناصفة مع الشيخ سيد سابق، على كتابه الشهير “فقه السنة”.
يقول القرضاوي عن الجائزة معبراً عن ما يكنّه من مشاعر صادقة تجاه الملك فيصل، بأنه لم يفرح بها، كونها تحمل اسم رجل أحببناه في الله، لمواقفه الصادقة في صف القضايا الإسلامية، وتبنِّيه الدفاع عن الإسلام وحرماته ورجالاته في كل مكان.
حرص القرضاوي على حضور الاحتفال بمدينة الرياض، والذي دعي إليه لتسلم الجائزة، ومن حرصه اصطحب معه ولديه، استدعى أحدهما من أمريكا والذي كان يدرس فيها، مشيراً إلى أن من سلّمه الجائزة، هو سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني حينها ووزير الدفاع والطيران، والمفتش العام، وبحضور سمو الأمير خالد الفيصل الأمين العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية.
القرضاوي.. 20 عاماً من التجوال في مدن المملكة
الشيخ القرضاوي، ظل متجولاً في المملكة والتي استضافته جامعاتها ومراكزها وأنديتها الأدبية والثقافية، والتي ألقى فيها أكثر من 197 محاضرة، خلال عشرين عاماً، أي ما بين منتصف السبعينيات حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
فمن الجامعات التي دعي إليها جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والذي كان عضوًا في مجلسها الأعلى في إحدى دوراتها. كما أنه ألقى فيها بعض المحاضرات العامة، ولا سيما في عهد مديرها أ. د.عبد الله الزايد، إضافة إلى جامعات أخرى أبرزها جامعة الرياض، وجامعة الملك فهد للبترول، وجامعة الملك فيصل في الأحساء.
كما لبى دعوات المؤسسات الأخرى كمؤسسة الملك فيصل الخيرية والذي ألقى في أحد مواسمها الثقافية محاضرة بعنوان: «الفقيه المسلم وتحديات العصر»، كما أنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، دعاه وهو ما زال ولياً للعهد للمشاركة في مهرجان الجنادرية، كما كانت مشاركة في المجلس الأعلى العالمي للمساجد، كما أنه تم اختياره في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الذي كان يرأسه العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، ومعه الشيوخ الندوي، والزرقا، وأبو سنة، والصواف، وابن جبرين، والفوزان، والبسام، وغيرهم.
وظل الشيخ القرضاوي حريصاً على حضور جلساته، وتقديم الأبحاث إليه ما استطعت، ولا يتخلف إلا لعذر، وهي الفترة التي ظل فيها متعاوناً مع الندوة العالمية للشباب المسلم، منذ بداية تأسيسها، حاضراً لعدد من اجتماعاتها، ومشاركاً في مخيمات الشباب التي كانت تقيمها في بلاد شتى في أوروبا، وفي الأردن، وفي ماليزيا، وفي غيرها.
القرضاوي ورسالته للملك عبد الله بن عبد العزيز
وظلت العلاقة بين القرضاوي والمملكة على هذا النحو من التواصل الإيجابي القائم على الاحترام المتبادل، وإن شابها في فترات نوع من الفتور لا يصل إلى القطيعة. يكون سببه دوماً الاختلاف في وجهات النظر بأمور فقهية، أو ميدان معاركها ساحات البحوث والمنابر وتسجيلات الدعاة في المملكة التي تكون في مجملها ردوداً من القرضاوي أو عليه. لعل آخرها ما كان منه حين نصح قيادات المملكة، في الرسالة التي وجهها في 2011 للملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي طلب فيها تمكين المرأة السعودية من قيادة السيارة، وشكره فيها لتعيين عضوات في مجلس الشورى. إلا أن هناك من اعتبرها بـ”الإساءة الكبيرة” منتقدين تدخله “في هكذا موضوع”، إلا أن الملك عبدالله تفهم الموضوع، ورد أن الأمر سيكون مع ما هو متوافق بتعاليم الإسلام.
الشيخ القرضاوي.. نقاط الاتفاق مع المملكة أكثر من غيرها
كثيرة هي المواقف التي يلتقي فيها القرضاوي مع التوجه العام للسياسة السعودية،. أبرز تلك المواقف موقفه من عاصفة الحزم عام 2015، والتي قادتها المملكة من أجل إنهاء استعادة الشرعية ووقف الانقلاب المدعوم من إيران في اليمن. وتأييد القرضاوي للسياسة السعودية ضد إيران يتعاضد مع موقف سابق له، اعتبره علماء السعودية مراجعة للقرضاوي لموقفه فيما يخص قضية التقارب بين السنة والشيعة.
اعترف القرضاوي حينها بأن علماء السعودية كانوا على دراية أكثر بما يخص حزب الله اللبناني وخطورته على الأمة. اعتراف الشيخ القرضاوي لقي ترحيباً في المملكة، من العلماء المثقفين على حد سواء رأوا أنه شجاعة منه تستحق الاحترام؛ وكان بإمكانه أن يلجأ للتبرير أو التجاهل.
لم يمنع ذلك من نقاط خلاف بينه وبين المملكة على المستوى السياسي أو الشرعي. على سبيل المثال، ففي ثمانينيات القرن الماضي، رأى القرضاوي أن الجهاد في أفغانستان ضد المحتل الروسي كان واجباً لأبناء البلد فقط، في مخالفة للتوجه الرسمي السعودي حينها والذي سهل إرسال المجاهدين السعوديين والعرب إلى هناك، ودعم المجاهدين الأفغان بالمال والعتاد.
السعودية الجديدة.. نقطة التحول في العلاقة بين القرضاوي والمملكة
وهكذا ظلت العلاقة الرسمية والعلمائية السعودية مع الشيخ القرضاوي بهذه الوتيرة، بين شد وجذب، واحترام متبادل لا يخلو من الجدل. ويمكن تحديد نقطة التحول في العلاقة بين القرضاوي والمملكة في حدثين بارزين، الانقلاب في مصر عام 2013 والأزمة الخليجية في 2014 و2017. تصادف ذلك مع ظهور ما يمكن تسميته بـ ”السعودية الجديدة“ بقيادة الأمير محمد بن سلمان، حيث تمت المفاصلة بشكل كامل مع الإسلاميين في الداخل والخارج، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى حالة انقطاع كامل بين الشيخ القرضاوي والتوجه السعودي الرسمي الجديد.
وبعد أحداث الانقلاب العسكري في 2013، حين قام عبد الفتاح السيسي بالانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي ووأد الثورة المصرية. وحيث إن المملكة أيدت ومولت هذا الإجراء العسكري، دعا القرضاوي حينها المملكة إلى وقف دعمها للسلطات المصرية المدعومة من القوات المسلحة، واتهمها باستخدام أموال المملكة في قتل المصريين المحتجين على الإطاحة بالرئيس المنتخب. واعتبر القرضاوي أن السعودية أخطأت بما تقدمه من دعم كبير للسلطات المصرية التي سحقت الثورة المصرية منذ عزل مرسي وطالب بسحب هذا الدعم.
ومن جهة أخرى، يمكن اعتبار ما يسمى بـ ”الأزمة الخليجية“ أكثر المراحل توتراً في علاقته مع المملكة، خصوصاً فيما يتعلق بتعاطي الإعلام المحلي في السعودية مع شخصية القرضاوي. تعرض القرضاوي منذ 2017 بأنواع الهجوم والتشويه على كل مستويات الإعلام السعودي، الرسمي وشبه الرسمي، بسبب إقامة الشيخ في قطر وحصوله على جنسيتها منذ الستينات. أدت تلك الحملة الإعلامية المنظمة إلى إطلاق الدول الأربع قائمة للإرهاب، كان الشيخ القرضاوي فيها مع علماء آخرين، طالبين من الانتربول الدولي القبض عليه. وذكرت المملكة في بيانها أن ”هذه القائمة المدرجة مرتبطة بقطر، وتخدم أجندات مشبوهة في مؤشر على ازدواجية السياسة القطرية التي تعلن محاربة الإرهاب من جهة، وتمويل ودعم وإيواء مختلف التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى“ بحسب بيان المملكة.
وبسبب هذه التهمة، سارعت هيئات مقراتها في المملكة إلى إنهاء عضوية الشيخ القرضاوي فيها، استجابة للتوجه الرسمي الجديد حينها. كما أن العلاقة تعقدت بشكل أكثر حين تم سحب جميع كتب القرضاوي من المكتبات والجامعات السعودية في نفس العام 2017، من قبل وزارة التعليم، في سابقة لم تحدث من قبل. شجع هذا التوجه الرسمي ضد القرضاوي فئات من الإسلاميين أو من يسمون بالسلفيين التقليديين، من تكثيف هجومهم ضده. ولا يبدو أن ذلك يعكس رأي الأغلبية الصامتة من علماء المملكة.
ماذا قال الإعلام السعودي عن القرضاوي بعد وفاته؟
بعد وفاة الشيخ القرضاوي في 26 سبتمبر، يمكن فهم الموقف الرسمي السعودي من خلال رد فعل وسائل الإعلام شبه الرسمية والحسابات المحسوبة على الحكومة. وفي الوقت الذي لم يُسجل فيه أي موقف لتأبين أو الترحم على أحد أهم علماء الأمة في هذا الزمان من علماء المملكة، سجلت شخصيات إعلامية سعودية، مقربة من صناعة القرار، مواقف مشينة في التهكم أو التشفي أو حتى الدعاء على شخصية القرضاوي. وكان الأمر هو نفسه لدى الصحف الرسمية كصحيفة عكاظ التي أفردت صفحات للنيل من شخصية الإمام القرضاوي بشكل مقزز.
ومن التناولات المسيئة التي تسيء إلى تسامح المملكة كما يرى كثيرون ما سطره، الأكاديمي السعودي عبد الله الغذامي، الذي دّون: “يوسف القرضاوي، انتقل إلى ربه وعلمه عند الله، ولكننا عرفناه محرضاً ضد بلدنا وكارهاً لنا، شعباً ووطناً وحكومةً، وظل يتمنى لنا الشر،…اتخذ علمه الشرعي سلاحاً سياسياً يطوع به الدين للحزب“. تجدر الإشارة أن الغامي قد أشاد بفقه القرضاوي في مواضع من كتاباته.
أما عضوان الأحمري، فقال في تغريدة له على تويتر: “انتهى يوسف القرضاوي فعلياً قبل ٧ أعوام من وفاته اليوم، حين انتهى زمن الإخوان المسلمين في المنطقة. قضت مصر على التنظيم المتطرف فبطل مفعول تحريض الداعية المقيم في قطر، وسحقت السعودية التطرف فاختفت معه قنوات نشر التحريض. القرضاوي لم يكن مفكرا أو مجددا، بل داعية إرهاب”.
في السياق نفسه كتب عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ: “هلاك مفتي الدم والإرهاب يوسف القرضاوي المدرج اسمه على قائمة الإرهاب السعودي و البحريني والإماراتي والمصري برقم ( ١٩ ) منذ ٢٠١٧م”.
مغرد آخر من آل الشيخ قال: “وفاة أحد أول خطباء الفتنة كما سمى نفسه فنسأل الله السلامة“.
صاحب حساب “ملفات كريستوف 1772م” كتب بأن الداعية يوسف القرضاوي اشتهر بالعديد من المواقف التي شكلت مسيرته، أبرزها: الإفتاء بشرعية هجوم الناتو على ليبيا، إجازة تفخيخ الجسد وتفجير التجمعات المدنية، دعم الانقلابات في دول الخليج، تشجيع مقاطعة الحج، عضوية جماعة الإخوان، تأسيس اتحاد إسلامي مناوئ لرابطة العالم الإسلامي.
ماذا يعكس موقف الإعلام السعودي بعد وفاة الشيخ القرضاوي؟
وفي حين يمكن فهم الموقف السعودي الرسمي، المتمادي مع التوجه السعودي الجديد، من خلال تغريدات الحسابات الكبرى، وغياب أي حساب سعودي مؤثر ينعي القرضاوي بما يستحقه، يشير ذلك بوضوح إلى مدى الاختلاف الكبير بين التوجه الرسمي للمملكة ”الجديدة“ في تعاملها مع الرموز العربية والإسلامية مقارنة بما كان الحال عليه قبل العهد الجديد. تجدر الإشارة أن ذلك لم يمنع ذلك من وجود تغريدات لمواطنين بحسابات هنا وهناك تنعي الشيخ القرضاوي وتترحم عليه، مما يعكس أن الإعلام السعودي الحالي بشقيه الرسمي وشبه الرسمي لا يعكس الموقف الحقيقي الشعبي.
ومن المفارقة أن يتم محاربة وتشويه شخصية القرضاوي، الذي يمكن وصفه بالإسلامي المعتدل، في الإعلام السعودي منذ سنين، في الوقت الذي يُعرف فيه القرضاوي بمواقفه الناقدة، منذ زمن، للاتجاه السلفي الوهابي، الذي تحاول السعودي جاهدة الانسلاخ منه بشدة في هذه الأيام.
كلمات أخيرة في صفحة الشيخ القرضاوي
لم تكن العلاقة التاريخية الطويلة بين الشيخ القرضاوي والمملكة، على المستوى العلمائي أو الحكومي، علاقة مثالية. في المقابل، لم تكن بالشكل العدائي بالشكل الذي يتم تصويره في الإعلام السعودي وبعض الشخصيات الحكومية.
علاقة الشيخ القرضاوي مع المملكة يمكن أن تقرأ من خلال خطين متباينين: الأول، هو علاقته بالعلماء والمؤسسات العلمية الشرعية والدعوية في المملكة. وقد شهدت تلك العلاقة مستويات ومواقف من النقاشات والجدل العلمي في إطار راق من الاحترام المتبادل.
الثاني، هو العلاقة السياسية بملوك وحكام المملكة، وتلك العلاقة تأثرت بطبيعة الحال بالمواقف السياسية لعقود طويلة. بالرغم من أن الشيخ القرضاوي قد انسحب من عضوية جماعة الإخوان منذ عقود، وانتقدهم في عدة مواقف مراراً، إلا أن علاقة السعودية بالقرضاوي انصبغت بالصراع السعودي – الإخواني مؤخراً. ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي في مصر في ٢٠١٣، والعلاقة التاريخية بين الطرفين في تدهور. زاد ذلك تدهورا الأزمة بين السعودية وقطر في ٢٠١٧ وما تبعها من إصدار قوائم للإرهاب.
وفي وقت تتجه فيه السياسة السعودية مؤخراً إلى الحلحلة وتصفير المشكلات في الملفات الحساسة، بدءً من المصالحة الخليجية، مروراً بإصلاح العلاقة مع دول الجوار، والانتهاء بأنباء عن مباحثات للتهدئة مع إيران، ألم يحن هذ الوقت للمضي قدماً في ملف مصالحة عامة يشمل كافة مكونات الأمة العربية، بما فيهم الإسلاميين ورموزهم، وإيقاف الهجمة الإعلامية غير المبررة ضدهم، وعدم المضي في استعداء مكونات المجتمع ضد بعضها.
كما كانت للشيخ القرضاوي إسهامات كبيرة في تشكيل الوعي الإسلامي لأجيال الشباب المسلم على مدار العقود الخمسة الأخيرة، كان متصدراً للقضايا الإسلامية الكبرى من قضية فلسطين وحتى الربيع العربي. وبالرغم من الخلاف معه حول عدد من المسائل، لكن إسهاماته في ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال مهما مرَّ عليها الزمن.